من دون شك فان اغلبية الآباء والامهات يدركون خطورة التأثير الرجعي على عقلية النشء ونفسيتهم من خلال سيطرة مجاميع التخلف على المناهج الدراسية وعلى السياسات التعليمية «التربوية» مع الأسف. لكن على ما يبدو، فان هذه الاغلبية مطمئنة الى مستقبل ابنائها لانهم يتطلعون الى تقرير مستقبلهم الحقيقي عبر ايفادهم في البعثات الدراسية للخارج، والتي يعتقدون انها هي نهاية المطاف، او بالاحرى التحصيل النهائي الذي يحدد مصير ابنهم او ابنتهم في الحياة العملية.
«الرمح على اول ركزة» قالوها من زمان. «التربية» التي تصر مجاميع التخلف على فرضها على الابناء في مراحل التعليم الابتدائية هي التي تحدد طريق النشء ومستقبله. صحيح انه قد «يفلت» واحد هنا او هناك، لكن الاغلبية ستتحدد طرق تفكيرها وسيتم رسم خرائط عقليتها الابدية بتوجيهات مجاميع التخلف ودلالاتهم ولافتاتهم التي تم زرعها في عقول الناشئة في مراحل «التربية» الاولى. وليس ادل على هذا من ان الكثير من الطلبة، الذين ارسلهم اهلهم لتلقي العلوم في بلاد الغرب، عادوا بلحى وبناطيل قصيرة. بل الملاحظ ان التوجيهات والشحن اللذين تلقوهما صغارا يتجسد في ردة فعل حذرة وعدوانية ضد المجتمع الغربي الذي حلوا ضيوفا عليه.
لذلك يعملون اثناء تواجدهم هناك على الانعزال وعلى خلق اجوائهم و«اوكارهم» الخاصة. ان من يخلق هذه الاجواء والاوكار ويحيط نفسه بها، يحيط عقله ومداركه ايضا بالحصون والقلاع ذاتها التي شيدتها مجاميع التخلف، ضد ليس الثقافة الغربية بل ضد العلم والتحصيل اللذين يسعى اليهما الانسان العربي، بحكم ان «العلم» في الوقت الحالي هو اداة مجتمعات الغرب ونتاجها. لهذا فان النشء، الذي خضع لـ «تربية» مجاميع التخلف، لن يكون في امكانه على الاطلاق ان يستوعب النظريات العلمية او حتى ان ينسجم معها، فهي تبقى في نظره «غزوا» ثقافيا ونتاجا لانظمة وعقلية كافرة.
لهذا فان المطلوب تلاحق الامر، وتحريرالابرياء الصغار من هيمنة مجاميع التخلف وسيطرتهم. ان الاهل يرتكبون جريمة كبرى بحق ابنائهم في تركهم اداة وفريسة سهلة لمجاميع التخلف، تطوعها وفق مصالحها ورؤاها الخاصة، وتحصد في النهاية ولاءها واتباعها غير المشروط. الزبدة تلاحقوا عيالكم وبرئوا ذمتكم ايها الاباء.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق