أنور النوري: هل تعلمنا الدرس

نعيش هذه الأيام ذكرى مرور 52 عاماً على استقلال الكويت، و22 عاماً على التحرير من الغزو العراقي الغاشم، وكلتاهما ذكرى تحتاج إلى مراجعة واستنباط واستخلاص نتائج، فتجربة الاستقلال وانتقال الدولة من إمارة (محمية بريطانية) إلى دولة مستقلة عليها التزامات، ولها كيان وعضو فعال في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وقد لاقت الكويت من الجار العراقي المصاعب الكثيرة في تثبيت مفهوم الدولة المستقلة، وقد تغلبت الكويت على ذلك بحكمة وصلابة قادتها معتمدة على التأييد الكامل من الشعب الكويتي، حيث واجهت تهديدات تصدى لها الكويتيون بمختلف فئاتهم وبريطانيا العظمى والجامعة العربية، ومن المعلوم أن التهديدات العسكرية العراقية قد تراجعت بعد بروز موقف بريطانيا الواضح من رفض هذه التهديدات وتأييد بعض الدول العربية لاستقلال الكويت، ولكن وبعد ذلك بـ30 عاماً تقريباً يقوم الجيش العراقي في 2 أغسطس 1990 بقيادة الرئيس والقائد الملهم صاحب الأسماء الحسنى بغزو الكويت، وعاث فيها فساداً وسط استنكار عالمي لهذا الجنون، لكن مع الأسف وسط تهليل وتكبير من الإخوان العرب المثقفين أو من الشوارعيين، ولكن تحررت الكويت بفضل الولايات المتحدة وهيئة الأمم التي عملت الولايات المتحدة تحت مظلتها بتحريرنا من الاحتلال الصدامي، وقد مرت أكثر من عشرين سنة على هذا الأمر البغيض، ولكن ماذا استفدنا، وهل تعلمنا الدرس؟ يقال إن كل طراق – صفعة – على الخد يعلم شيئاً، ونحن أخذنا 20 طراقاً، ولكن بقينا على طمام المرحوم، أليس من الأجدى أن تقوم الدولة بوضع دراسة موضوعية وعلمية عن الظروف جميعها التي أدت إلى الاحتلال، وكيف نشأ دكتاتور؟ وكيف تجرأ على قيامه بعمل غير مسبوق؟

كل كويتي مر بتجربة وظروف معينة نتيجة الاحتلال، أليس من الأجدى أن تقوم جهة ما بتسجيل تجربة الكويتيين في الاحتلال، سواء كانوا من المقاومة أو من المواطنين العاديين، منهم من فقد ابنا أو ابنة، ومنهم من فقد أبا أو أخا ومنهم من فقد زوجة أو زوجاً، ما هو شعور هؤلاء؟ أليس من الأجدى أن تسجل هذه الحوادث؟ وقد اقترحت على المسؤولين أن يصار إلى تسجيل تجارب الكويتيين تحت عنوان «أروِ قصتك» وهناك تجارب مؤلمة، خاصة عندما تكون الأم متزوجة من عراقي، أو الوالد متزوجاً من عراقية والمآسي الإنسانية التي تنتج من الأخ العدو أو ابن العم العدو، أليس من الأجدى أن يصار إلى دراسة تحليلية عن الواقع العربي الذي أدى إلى اعتبار صدام بطلاً ولا يزال في نظر الكثيرين من العرب بطلاً حارب الاستعمار الصهيوني؟ لماذا ينظر العرب إلى أشخاص يكذبون عليهم ويعدونهم بالعزة والكرامة، ولكن لا يقبضون منهم إلا الحجي؟ هل هناك خطأ ما في جينات هؤلاء.

في دولة صغيرة ذات استعدادات مالية قوية نتعلم أن العز لا يدوم وأنه بين ليلة وضحاها نتيجة عمل جنوني من الممكن أن نصحو في يوم من الأيام على حدث مفجع، أليس من الأولى أن نكون مستعدين لذلك؟ وهنا لابد أن أقول إننا عرفنا أن المال قد شكّل خطاً دفاعياً في حرب تحريرها، أليس من الأولى أن يصار إلى بناء احتياطيات مالية، وأن نقلل من تبذير الأموال في الأمور الاستهلاكية والترفيهية؟

ما يجب أن نتعلمه من الغزو أن الأخلاق والقيم لا بلد لها ولا دين، وقد رأينا المسلم يقف في صف صدام حسين ضد الكويت، وسمعنا من رجالات الدين وقادة إسلاميين أنهم يرون في صدام حسين بطلاً، بل ونبياً أرسله الله، وقد سمعت بأذني أحد المعمَّمين الفلسطينيين، مع الأسف، يقول لصدام حسين: إنني أتخيل أن الآية التي نزلت على محمد، والتي يقول فيها رب العزة «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، قد نزلت عليك كي تسري بنا إلى المسجد الأقصى، هل يقول هذا مسلم؟! إن الشرك بالله شيء عظيم، وإن الله يغفر جميع الذنوب ما عدا الشرك به.

حبذا لو رافقت الاحتفالات بالأعياد الوطنية مع المسيرات والمهرجانات إقامة حلقات دراسية أو اجتماعات لمفكرين وسياسيين عرب وأجانب لطرح مثل هذه الآراء والأفكار وبلورتها، والخروج بنتائج، منها مثلا موقف الدول الصغيرة من إقامة أنظمة دفاعية، وهي تعلم تمام العلم أنها قد تلاقي ظلما من دولة صغيرة أو دولة أكبر منها.

لتكن ذكرى الأعياد الوطنية ذكرى نستفيد منها في القادم من الأيام، بدلاً من أن تكون مجرد رفع أعلام وأغان وأناشيد حماسية واستعراضات عسكرية وبهرجة لا ضرورة لها.

أنور عبدالله النوري
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.