يقع سكن رئيس البعثة الدبلوماسية لدى مملكة هولندا الصديقة في مدينة لاهاي وبالتحديد في ضاحية فسنار، وهي من أرقى الضواحي ليس في هولندا فحسب بل في أوروبا كلها.
تبلغ مساحة السكن حوالي اثني عشر ألف متر مربع، وفي محاذاته توجد قطعة أرض مساحتها تقريبا ستة آلاف متر، وهي ملك لدولة الكويت، وبناء عليه فقد قامت السفارة بتقديم اقتراح لوزارة الخارجية للقيام بمحاولة الحصول على تصاريح لبناء ثلاث فيلات لسكن أعضاء السفارة من الدبلوماسيين، وافقت الوزارة على هذا الاقتراح وتم تكليف السفارة بمتابعة الموضوع، وعليه فقد قمنا بمخاطبة وزارة الخارجية الهولندية التي بدورها أحالت الموضوع إلى “المجلس البلدي المحلي” لمنطقة فسنار.
وبالفعل تم تحديد موعد لي مع رئيس المجلس وبعض أعضائه، وكان اللقاء في مبنى المحافظة الذي يعتبر تحفة فنية بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، تحيط به حدائق وبحيرات رائعة، أما الداخل فيشمل قاعات اجتماعات وشبكة معلومات حديثة وغيرها، وأيضا يوجد فيه مقر المجلس البلدي المحلي.
كان اللقاء فيه الكثير من الود في بدايته قمت بإهدائهم مجسماً للمركب الكويتي الذي لاقى الكثير من الإعجاب والتقدير، وتم وضعه في مدخل المحافظة مع هدايا أخرى، منذ بداية الاجتماع أدركت أن الرئيس والأعضاء على اطلاع تام بتفاصيل المنطقة كلها، وقد قام بعضهم بزيارة ميدانية لموقع الأرض محل البحث، كان الأعضاء يمثلون فئات المجتمع؛ فمنهم الطبيب والمهندس وأستاذ الجامعة ورجال الأعمال وغيرهم.
بدأ رئيس المجلس حديثه بإبلاغي برفض طلب البناء وذلك للحيثيات الآتية: أن البناء سيعني بالضرورة إزالة مئات الأشجار التي تقدر أعمارها بما يزيد على مئة عام، فكيف سيتم تعويضها؟ ثم بإزالة هذه الأشجار والمنطقة الخضراء سيفقد سكان المنطقة متنزها طبيعياً حافظ عليه الآباء والأجداد؛ وأن عملية البناء ستستغرق أكثر من سنتين ستكون محل إزعاج للمنطقة بأسرها التي من أهم مزاياها الهدوء؛ أضف إلى ذلك إغلاق عدد من الشوارع الضيقة أساساً. وعليه فقد تم رفض الطلب مع الاعتذار، والواقع أني أكبرت فيهم هذا الإدراك والفهم لقيمة الإنسان والطبيعة.
تذكرت هذه الحادثة وأنا أشاهد إحدى جلسات المجلس البلدي عندنا، الكل يصرخ، الكل يتكلم، الكل يتحرك وفي كل الاتجاهات، “هوشه” تكاد تصل إلى حد التشابك بالأيدي… ولكن لماذا؟ وعلى ماذا؟ وما موضوع البحث؟ لا أحد يعرف نحن نعرف الإنجازات العظيمة للمجلس من تسمية الشوارع إلى تخصيص الأراضي إلى المشاريع بالمزاد العلني، عشرة آلاف أو عشرون ألف متر أكثر أو أقل مع الكثير من محاولات تعطيل المشاريع!
ولنا الحق أن نتساءل: ما دور المجلس البلدي؟ وما المهمات المنوطة به وعدد أعضائه وشروط الترشح والانتخاب؟ وما معيار الموافقة على المشاريع أو رفضها بكل أشكالها؟
ولنا أيضاً أن نتساءل أين المجلس من أكوام القمامة التي تغطي مناطق الكويت وشوارعها؟ أين المجلس من منطقة الشويخ الصناعية ومنطقة الشرق الصناعية ألا يمكن تحويلهما إلى ضواح رائعة؟
أين المجلس من الأراضي الفضاء داخل العاصمة، وفي المناطق التي تحولت إلى مكبات للقمامة؟ وأين المجلس من منطقة بنيد القار التي غدت بؤرة للأمراض؟ وأين المجلس من مناطق السكراب؟ وأين… ؟ وأين…؟ وقائمة طويلة تستحق الصراخ من أجلها!
إذن ما الذي يمنع من الاقتداء بالدول المتقدمة، وذلك بتعيين مجالس بلدية محلية لكل محافظة تهتم بكل شؤون المنطقة من إنشاء حدائق وبحيرات صناعية ونظافة وغيرها على أن تقر لها ميزانية سنوية.
هذا ومن الملاحظات المهمة في البلاد تدني إنتاجية أغلب المجالس المنتخبة إلى درجة الصفر أحيانا ابتداءً من “مجلس الأمة” إلى “المجلس البلدي” إلى المجالس الرياضية وصولاً إلى مجالس “الجمعيات التعاونية”، ولعل الشاعر عبدالعزيز محمد أحمد المشاري قد تلمس بعض ما وصل إليه الوطن من انحدار في التنمية وفقدان الشعور بالانتماء، وطغيان المصالح، فنظم أبياتا شعرية بعنوان “دمعة على وطن” نقتبس منها:
دمعي يهل وخافقي يتألم
والروح من وجع تنوح وتلطم
وطني الذي أبقيت بين جوانحي
أضحى جماراً نارها تتضرم
أضحى مريضاً أنهكته همومه
من يا ترى يحنو عليه ويرحم
أضحى كقصعات الثريد تناثرت
بين الجياع فذا يمد ويقضم
الله أكبر ما دعاني ها هنا
إلا دموعاً بالأسى تتكلم
حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق