ليس سراً أن الحكم غير مرتاح لنتائج انتخابات مجلس الأمة الحالي، وهي الانتخابات التي حملت المعارضة السابقة لتصبح أغلبية مطلقة في المجلس، وهذه الأغلبية تمكنها من فرض أجندتها على الحكومة، بل وعلى السلطة أيضاً. لم تنتظر الأغلبية الجديدة كثيراً في إعلان أجندتها المستقبلية والمتمثلة في رئيس وزراء شعبي، وهذا كان واضحاً في تصريحات العديد من نواب الأغلبية، بل إن النائب فيصل اليحيى ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير بتقديم مقترح لتعديلات دستورية جذرية بهدف تغيير النظام الدستوري القائم إلى نظام برلماني كامل، وهوما يعني تقليص وتهميش دور الأسرة الحاكمة في النظام، وجعلها أقرب ما تكون إلى أسرة حكم بالمعنى البريطاني حيث الأسرة المالكة «تملك ولا تحكم»، وهوما يمكن تسميته بانقلاب سياسي أبيض حين يتحول النظام الدستوري القائم إلى نظام إمارة دستورية.
قد لا يمكن تصور تطبيق ما تطالب به كتلة الأغلبية من جعل رئاسة الوزراء شعبية على المدى القصير، ولكن طرح هذا الموضوع للتداول هو بحد ذاته تهيئة للرأي العام لتقبل تداول هذه الفكرة بعد أن كان ذلك يعد من الخطوط الحمر، وما يشجع على طرح هذا الموضوع أن الكثير من الأمور التي كانت تعتبر في السابق خطوطاً حمراً تحولت إلى اللون البرتقالي ثم الأصفر وأخيراً تحولت إلى اللون الأخضر وأبرزها إقصاء رئيس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد وحل مجلس الأمة السابق.
لا يبدو أن لدى السلطة في الوقت الحالي خيارات متاحة لمواجهة مطالب الأغلبية، فخيار استخدام الحل الأمني الذي تم اللجوء له في أحداث ديوان الحربش لم يعد ممكناَ بعد ربيع الثورات العربية المطالبة بمزيد من الحرية والديمقراطية للشعوب العربية، وأيضاً بعد الحراك الشعبي غير المسبوق الذي شهدته الساحة المحلية قبل حل مجلس الأمة السابق. التهديد بحل مجلس الأمة -الذي كان دوماً سلاحاً بيد السلطة- لم يعد هو الآخر مجدياً، ولم يعد ورقة يمكن للسلطة المناورة بها أو استخدامها في الوقت الحالي.
ما يمكن للسلطة أن تفعله في الوقت الحالي هو الانتظار حتى يتراجع تأييد الشارع للأغلبية البرلمانية بفعل ارتكاب الأغلبية للعديد من الأخطاء بفعل نشوة الانتصار الذي حصلت عليه في الانتخابات، وأيضاً انتظار أن تدب الخلافات فيما بين أوساط الأغلبية، وعندها قد يكون الوقت مناسباً لحل مجلس الأمة الحالي لأن الحكم لا يمكن أن يتحمل التعايش مع مجلس له توجهات تهدد مكتسبات الأسرة الحاكمة التاريخية، وما يعزز هذا الخيار الضغط الذي تمارسه رموز حضرية لحل مجلس الأمة حتى تعيد ترتيب صفوفها ومواجهة طغيان الأغلبية. يصعب التكهن بموعد اللحظة المناسبة لحل مجلس الأمة فهو على الأغلب لن يكون في دور الانعقاد الحالي، ولكنه على الأرجح لن يتأخر عن دور الانعقاد القادم.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق