فكرت في الكتابة ولو ببضع كلمات عن الفقيد الذي لا يزال يحتل مكانة غير مسبوقة في قلوب الذين أحبوه، أخا وصديقا قبل أن يكون مواطنا ونائبا ووزيرا، وقبل ذلك إنسان من نوع خاص ونموذج نادر من معادن الرجال، وكم هي نادرة هذه الأيام بين الرجال، وحتى بين الحريم. جلست متأملا في أي زاوية أبدأ بالكتابة عن الدكتور أحمد الربعي، هل أبحر في طبيعة العلاقة الأخوية التي تربطني معه منذ أكثر من ثلاثين عاما، أم عن الإنسان الكبير في قلبه حبا للكويت، أم عن النائب والوزير، لا أدري، فكل الطرق نحو الكتابة عنه -رحمه الله- تتزاحم عند نقطة الخروج إلى الورق، وكل رثاء في أي جانب من جوانب حياته، المليئة بالمواقف والأحداث، تبدو في خطوط متوازية، لا يكاد المرء يختار واحدة منها على حساب الأخرى.
لقد اجتمعت ظروف الحياة بكل تناقضاتها الجميلة والأليمة في قلب إنسان كبير في عطاءاته وتعامله، وفي وجدانه لتقدم لمجتمعنا عنوانا بارزا، ولسانا ناطقا بحب الكويت وأهلها.. أوليس هو ذاك الذي اختار لحملاته الانتخابية: «الكويت جميلة.. تفاءلوا»، وكم كان يبعث في نفوسنا من التفاؤل والأمل في انتظار غد أفضل في يومنا، ومستقبل أكثر حالا بالرؤية لأفق بعيد ننتظر قدومه بالخير وانشراح بالقلب والنفس.
خمس سنوات مضت ثقيلة على كل من عرف عن قرب أبو قتيبة، لكننا، ووسط الغياب الذي ترك مساحة شاسعة في القلوب، لا أزال أسمع صدى ذاك الصوت في مسمعي، سواء عبر الهاتف أو حين لقاءاتنا، أسمع ذلك النداء الذي يردده معه دائما «حبيبي يوسف»، يقولها بصدق المشاعر ونظافة القلب، يقولها ليؤكد أن الحياة حلوة وجميلة حين تكون العلاقة الأخوية نابعة من إنسان جمع بين العلم وبلاغة الحديث ورقي الكتابة واستقامة السلوك والأخلاق.. وفوق كل ذلك التواضع، الذي ظل ملازما له طوال حياته حتى حين تقلّد المنصب الوزاري، ظل كما عهدناه. أحمد الربعي لم يتغير، ولم يأخذه بريق المنصب ولا تشريف المكان بقدر ما كان يؤمن برسالة التكليف بالعمل الوظيفي على كل صعيد وموقع.
في كل الأزمات والأحداث التي عاشتها الكويت، سواء الداخلية منها أو الخارجية، وأبرزها جريمة الغزو العراقي والاحتلال، كان الدكتور أحمد الربعي في الصفوف الأولى، مدافعاً وطنياً شرساً من أجل الكويت.. حاور عبر الفضائيات من هم أكبر منه تجربة وعمراً، ثم خرج في النهاية منتصراً عليهم بالحجة والمنطق والإقناع، احتار معه من كان أمامه، وحاولوا بشتى الطرق تحقيق انتصار ولو بشكل وهمي عليه، لكنهم فشلوا وغادروا مواقع البث خائبين أمام رجل يحاكي العقول والمنطق، قبل العواطف وكسب مواقف مؤقتة، سرعان ما تذهب مع سيف الحق، الذي كان يحمله من أجل الكويت.
لم أعرفه قط غاضباً أو متألماً إلا من أجل وطن أحبه من أعماق القلب، حتى حين دخل المستشفى في بداية المرض.. طال عمرك.
يوسف الشهاب
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق