مسعود الفهيد: التكتل الشعبي غير الشعبي

لمتابع للمسرح السياسي الكويتي يلاحظ أن هناك هجوماً مركزاً من بعض مكونات الشعب الكويتي والكتاب- ولا أبالغ إن قلت بعض النخب- على كتلة العمل الشعبي ورموزه، وانتقادهم بشده سواء بحق أو تلفيق بباطل، ولعلي اليوم غير مهتم بمناقشة ما هو باطل، لأنه لا قيمة له ومعروف للقارئ، وكذلك الظواهر الأخرى الدخيلة علينا كالشتم والردح وغيرها.
إن الأفكار المطروحة هي محاولة لفهم سبب ابتعاد، أو لنكن صرحاء أكثر، معاداة كم متعدد من شرائح المجتمع لكتلة العمل الشعبي رغم دفاعها المعهود والشرس عن المال العام الذي بدون شك يحظى بتقدير الكثير من الكويتيين، اختلفوا أم اتفقوا مع الكتلة. والكثير ممن يدافع عن مواقف الكتلة يفعل ذلك بحماس وتأثر شديدين، وهو مستحق ولكن بذات السياق فإنه غير منطقي أو صحي أن يوصم كل ناقد أو كل طرح مغاير عن التكتل بأنه حكومي أو مستفيد، ولكن هذا هو للأسف ما هو حاصل اليوم وهو بيت الداء.
المشكلة برأيي لها علاقة مع جزء أساسي من المواطنين والحكم والاقتصاديين ولأسباب عدة سأبرزها تباعاً، وهي كالتالي:
● خلال تمثيل أعضائها (كتلة الشعبي) بالبرلمان لاحظنا أن ممثلي الكتلة عندما يتقدمون باستجواباتهم، وإن كانت حججهم ومحاورهم مستحقة، أن طريقة إيصال الفكرة والحجة كانت دائماً تقترن برفع الصوت، وكذلك استخدام مفردات ثأرية يتم من خلالها التقليل من قيمة الوزير المستجوب، وهذه جميعها تصرفات منبوذة ومرفوضة في مجتمع صغير كالكويت، فضلاً عن أن الإهانة العامة لا تلحق فقط بشخص الوزير المستجوب إنما تتعداها إلى أسرته وطائفته.
وعلى سبيل المثال نستذكر استجواب د. عادل الصبيح (والتركيز بدون حق على جوانب الاستفادة من المنصب الوزاري)، وتلاها الوزير د. يوسف الإبراهيم ومحمود النوري والشيخ علي الجراح الصباح وأخيراً الوزير مصطفى الشمالي، والحدة البالغة والمفردات التي تم استخدامها (“أنت تستعبط”- “سنقتص منك باسم الأمة”- “شلي علمك بالغنم شريطي أنت”- “هذا الشمالي”- “أنت مو كفو يا وزير المالية”- “اقعد انثبر”) حيث أضرت هذه العبارات بممثلي الكتلة اجتماعياً، بحيث كان من الممكن إيصال الدليل دون التقليل من شأن المواطن المستجوب بغرض الحصول على تصفيق مؤقت. كذلك يتم من خلال الاستجواب استخدام جمل وعبارات توضح للمستجوب أن العدد المطلوب لإقالته موجود سلفاً، وبذلك يهدر مبدآ الحياد والعدالة المطلوبَان لتقييم أداء كل وزير، ويكون دفاع الوزير عن نفسه تحصيلاً حاصلاً لأن النتيجة معروفة سلفاً، وإطلاق لغة التحذير والوعيد- الأقرب للتهديد- لأي مرشح جديد للحقيبة الوزارية الشاغرة.
كذلك- وهو الأهم- توجيه النقد اللاذع الذي ينطوي على مفهوم إقصائي وبدون حق للكثير من وزراء الأسرة بالرغم من كفاءة بعضهم، وأستذكر كلمة النائب مسلم البراك للدكتور محمد الصباح عندما قال له “أحسن ما فيك أنك نظيف”، وبذلك شطب النائب السابق البراك عمل الدكتور الأكاديمي والدبلوماسي بأسلوب يفهم منه “حتى لو ولدكم خريج أعرق الجامعات وخدم كسفير ووزير راح نشيله”… فما الرسالة التي يراد توجيهها؟
كذلك فإن هذا الأسلوب- رضينا أم أبينا- رسخ في ذهن الكثير من الناس أن الموضوع لم يعد يتعلق بتنمية أو إصلاح بل هي مسألة “كسر عظم” مع جزء أساسي من المجتمع له حب وتقدير كبيرين بالنفوس، وهذا مرفوض بصورة قطعية لدى الكثيرين. وبالنسبة إلى بعضنا ككويتيين، وأنا أولهم، هناك عقد وعهد بالحكم مع هذه الأسرة ملتزمون بهما، ولطالما كان هناك توافق وتطبيق لهذا العهد بدون أي تجاوز لطرف على حقوق الآخر.
بعبارة أخرى نريد سبباً واضحاً ودقيقاً للضرب لأننا لا نحبذ الضرب كمنهج عمل دائم في ظل تراجع كامل للدولة ومؤسساتها وأفرادها.
● اعتماد الكتلة المتكرر لأداة الاستجواب وما ينطوي عليها من نهج صادم يعتمد فقط على المواجهة في ظل غياب أي مشاريع أو مبادرات تنموية محددة من قبلها تضيف تنموياً للمجتمع أو الفرد الكويتي أو تطور الخدمات المطلوبة، وهذا أمر مطلوب من أي تجمع أو نخب سياسية، حيث إن البرنامج المقدم يجب أن يحتوي على كامل أفراد المجتمع ومؤسساته وليس فقط على جزء منه.
كذلك فإن معارضة مشروع “الداو” والغرامة الباهظة التي ترتبت عليها- وإن كان المسؤول التنفيذي الذي أصدر القرار آنذاك يتحمل مسؤولية الإلغاء برأيي- إلا أن هذا الأمر أضر بالتكتل ورموزه بشكل كبير من ناحية عدم الإلمام الفني المطلوب وعدم دراسة هذا المشروع الكبير، مما أوحى للرأي العام بعدم قدرة التكتل على المشاركة اقتصادياً بتقديم أو إنجاح مشاريع كبرى تقدم عليها الدولة.
● تأييد الإضرابات والمطالبات والامتيازات المالية مباشرة، وفور طلبها من أي نقابة أو جهة دون أي اجتماع أو دراسة أو تمحيص كما هو حادث بدول العالم قاطبة أو حتى تقديم أسباب مقنعة للرأي العام لتحميل خزانة الدولة هذه الأعباء المرهقة، ناهيك عن إهمال توصيات جهات دولية اقتصادية محايدة بدون أي تفسير ينفي أي استفادة شعبية أو انتخابية مؤقتة.
● الكتلة تستجوب شرائح معينة من الكويتيين وكذلك الكتله لم تستجوب- والبعض يقول إنها حمت- بعض الوزراء رغم معرفة الكويت قاطبة بتواضع أدائهم الوزاري، ومن ثم استفادتهم وفسادهم في مناصبهم، ويدلل عليها ثراؤهم المفاجئ وإنشاؤهم قصوراً سكنية فخمة في مناطق عربية سياحية قريبة، وذلك لاعتبارات قبلية أو ربما انتخابية، وهذا شيء مكلف وطنياً لأن العديد من المواطنين العاديين شعروا بأن الكتلة تمايز ما بين المواطن الحضري والمواطن القبلي لمصلحة الأخير، وإن كانت تنطبق عليه مبررات الإقصاء السياسي التي يستخدمها التكتل لغيره.
● فيما عدا النائب السابق الفاضل أحمد السعدون بالدائرة الثالثة (وهو ذو ثقل انتخابي منذ السبعينيات ويسبق انضمامه للتكتل الشعبي) نلاحظ غياب التكتل عن الدوائر الأولى والثانية والثالثة، والأهم من ذلك عدم مشاركة ممثليها بالكثير من الفعاليات واللقاءات السياسية والاقتصادية التي تقيمها العديد من المؤسسات، وربما بعض تجمعات الدواوين والأهالي، مما خلق فجوة مع الدوائر الأخرى وناخبيها.
وعلى سبيل المثال نجد أن التكتل الشعبي- بخلاف الحركات السياسية الأخرى- لا يدعم بقوته وحشده مرشحين له في هذه الدوائر ولم يحالفه النجاح بخلاف أحمد السعدون، وهذا مؤشر على أن التكتل يتوجس من عدم قبول ملموس له بهذه الدوائر. وإذا اعتبرنا عبدالرحمن العنجري نصرا جديدا بالدائرة الثانية فهو وصف غير دقيق لوجود ثقل سياسي وعائلي واجتماعي سابق له، فضلاً عن أن- فيما عدا صندوق الصليبيخات- الصناديق الأخرى شهدت انحساراً لشعبيته.
● انشقاق النواب عبدالصمد ولاري وجوهر عن التكتل ألغى علاقة التكتل السياسية مع شريحة محددة من المجتمع الكويتي بشكل شبه كامل، ولم يسعَ التكتل بعدها إلى رأب الصدع أو محاولة احتواء الخلافات، بل أقفل الباب نهائياً، وهي خسارة كبيرة حيث إن بعض النواب، مثل النائب عدنان عبدالصمد، يعتبر من المخضرمين والمؤثرين مع الكثير من الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية من خارج المجلس والبعيده نوعاً ما عن التكتل الشعبي.
● الحرب المعلنة على الطبقة التجارية وكل شيء له علاقة بنظريات الاقتصاد الحديث التي تقوم على مبدأ المنافسة الحرة وتحرير وبناء إنسان كويتي منتج ومتطور غير متكل على رواتب وعلاوات متضخمة تقتل الحافز المطلوب لتقديم إضافات جديدة مثلما نرى في دول العالم كافة، وهذا أقنع الكثيرين بأن التكتل الشعبي لديه فقط … “مشروع معارضة” وليس مشروع بناء دولة متكاملة بمقوماتها كافة واقتصادها الحر القائم على تحرير الفرد، فعلى سبيل المثال، ليس هناك شيء اسمه وظيفة مضمونة مدفوعة الراتب إن لم يقابلها عطاء وجهد يومي يقر بحتميته الشرع الإسلامي قبل الواجب الوطني.
إن حرب- أو بأبسط الأحوال- إهمال التكتل الشعبي للقطاع الخاص أوجد شعوراً لدى كل من يعمل في هذا القطاع بأن العملية أصبحت بالنسبة إليه مسألة “حياة أو موت” لرزقه ومعيشته مع عائلته، وأن هذا التكتل عندما يهيمن سياسياً فلسوف يقضي على عمله الخاص ويقضي عليه.
ومن المهم الإشارة إلى أنه ليس كل من يعمل في هذا المجال هو من أسرة تجارية قديمة أو صاحب أراض صناعية أو غيرها، بل إن أغلب المجتهدين الاقتصاديين اليوم هم أرباب أسر قبلوا التحدي في محيط سياسي وتشريعي يحاربهم ويقطع عنهم وسائل الحياة.
● التوسع (من بعض المحسوبين على الكتلة) في استخدام كلمات “راشي” و”فاسد” و”انبطاحي” وغيرها من الصفات المقيتة في مجتمع صغير كالكويت، حيث إنه في السابق كانت مثل هذه الألفاظ تطلق فقط على شخصيات معينة لها تاريخ انتهازي معروف (إعلامي وتجاري وغيرها) أو البعض ممن صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية مخلة بأمانتهم، إلا أن الملاحظ اليوم أن مثل هذه العبارات أصبحت تطلق على قطاعات كاملة من المواطنين؛ كالعاملين في القطاع الخاص، أو أصحاب مشاريع تجارية، أو ممن ينتمي إلى تجمع اقتصادي معين… وأصبح الجميع متهماً بالفساد- ما لم يثبت العكس- وحتى تيارات سياسية أخرى تم تهميش تاريخها بالدفاع عن الدستور والديمقراطية بالكويت بشكل عام فقط، لأن بعض أفرادها يعمل في التجارة.
كذلك فإن الاستمرار في تعميم كلمة “متنفذ” على كل من يشارك في مناقصة فقط لأنها رست عليه دون غيره بعد استيفائه للشروط القانونية وتقديمه للكفالات المالية المطلوبة أوجد شعوراً أن الموضوع لا يتعلق بإصلاح إنما هو إقصاء لأسماء ومواطنين محددين جغرافياً، وهم شريحة محددة كل ذنبهم أنهم اجتهدوا وتعبوا في إنشاء شركات متخصصة لتقديم خدمات مطلوبة تعتمد عليها كل دولة لتسيير أعمالها اليومية.
● اعتماد أغلب المنتمين إلى التكتل الشعبي للكلمات والمفردات البدوية العشائرية وخلطها بالطرح السياسي والتعليقات اليومية أوصل كذلك رسالة إضافية، أن هذا التكتل هو- مرة أخرى- يناصر فئةً محددةً في المجتمع غالباً ما يكون لبعض أفرادها مساجلات يومية قاسية مع فئات أخرى، وبذلك أهدر التكتل فرص احتواء فئات المجتمع كافة، ولم يعد- بالنسبة إلى الكثيرين- تنظيماً سياسياً يسعى إلى الإصلاح الشامل، بل تجمعاً قبلياً محدداً يحارب أي نقد، ويستهدف فرض ما يحلو له والذي هو في نظر الكثيرين مسار طويل من تجاوز الآخرين باستثناءات وترقيات وامتيازات وغيرها.
وهنا أنا لا ألوم التكتل الشعبي فقط، فهو إن قدم هذه العبارات للمجتمع فإن التوسع في تعميمها أتى من بعض كتّاب الصحف الإلكترونية المحسوبة عليه، فضلاً عن انتشار هذه اللغة بين الناشطين بالتكتل الشعبي بوسائل التواصل الاجتماعي وكذلك التعليقات اليومية بالصحف الإلكترونية.
وختاماً… أنا أطرح ملاحظات ولا أطرح حلولاً لأنها بيد من أوجد الخلاف مع قسم من المجتمع- ولا أعفي الطرف الآخر إطلاقاً، حيث إن لدى الكثير من أفراده هرطقات وشتائم نعف عن ذكرها- ولكن لأن التكتل نذر نفسه للإصلاح السياسي لذلك تقع عليه المسؤولية بتصحيح المسار، لكي تشمل أفكاره الكل من الدوائر كافة ولتقديم مرشحين لبناء كامل الدولة، ويؤمنون بالتوازن الذي اتفقنا عليه منذ مئات السنين.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.