
هناك علاقة قرابة دموية أصلية، وتشابه بيولوجي صارخ بين دراكولا المخيف، مصاص الدماء ذو الرداء الأسود، والأنياب الحادة، وبين تلك الأسواق في مناطقنا النموذجية المسماة جمعيات، وغير مستبعد ان يكون الأول الوالد الشرعي لها، الذي أنجبها، وتركها تنمو بيننا براحتها، ومنحها لقبا عائليا جميلا هو تعاونية، شغل تمويه يعني، لكي لا نربط بينها وبينه ككيان قائم على المص والشفط واللهط.كنا وما زلنا نرى تلك الدكاكين الضيقة، والمساحات الصغيرة القابعة في هذه الزاوية أو تلك من مباني الجمعيات، وهي تنتقل من منتفع الى ثان، الى ثالث، لأن ادارة الجمعية (لا ترحم) وتطلب ايجارا مرتفعا جدا مقابلها لا يتناسب وحجم مساحتها، فيجد المنتفع نفسه خسران في النهاية، فيخلي المكان، ويتركه لغيره، ويهرب بجلده من استثمار خاسر للجهد والمال، وفوقها الكرامة ان شئت.مجالس ادارات الجمعيات التعاونية تتعامل مع بعض التجار كما يتعامل مصاصو الدماء مع ضحاياهم، ولم يسلم من مبلغ الايجار الجشع، وغير المنطقي حتى باعة الآيسكريم والنفيش وشعر البنات.لهذا السبب لا نجد ان المحلات والشركات ملامة ان هي قامت برفع أسعار بضائعها على المستهلك لتحقيق الربح الذي يناسبها، فقد رأينا تعسف الجمعيات التعاونية مع التجار، وجشعها الشديد في تأجير الدكاكين والأكشاك والبسطات والأرفف بأسعار مبالغ فيها فيضطر صاحب المصلحة الى رفع السعر، وفي كثير من الأحيان يفشل، ولا يغطي الدخل الشهري ايجار ذلك القرقور فيقرر انهاء العقد، والهروب بجلده من خسائر مستمرة.هذا لا يعني ان التجار أبرياء، مساكين فهم أيضا طمّاعون، جشعون، والضرائب التي يدفعونها للدولة مقابل ادخال وتداول بضائعهم لا تكاد تذكر، ومع ذلك يبيعونها بأسعار مبالغ فيها، تفوق مثيلاتها في دول الخليج، كما أنها تزداد وترتفع باستمرار بدون ان تصطدم بحائط أخلاقي تقف عنده، وسقى الله زمنا كنا نقول فيه عمار يا كويت بسبب رخص الأسعار فيها مقارنة بباقي الدول.في ذلك الزمان كانت العشرون دينارا كافية لملء دبة السيارة بالأغراض، أما الآن فنشتري بستين ولا كأننا اشترينا شيئا، هذا عدا عن طرق غش البضائع الجديدة كتقليل كمية المنتج في العلبة، واستخدام مواد مغشوشة تؤثر على مستوى الجودة، وبيع منتجات مقلدة وغير أصلية على أنها أصلية.في النهاية نجد ان المظلوم في ذلك كله هو المواطن صاحب المعاش الذي يقع فريسة للتجار الذين يتعاونون على تمزيق والتهام راتبه بمساعدة، ومساندة من أعضاء مجالس ادارات الجمعيات التعاونية، الذين يحلمون بالتحوّل الى تجار كبار، حالهم حال غيرهم، عن طريق الألاعيب التي يمارسونها أثناء عضويتهم تلك.يحدث هذا بعد ان حلّ الجشع محل مفهوم التعاون، ودخل هذا المجال أشباه رجال همهم الأول والأخير هو ملء حساباتهم في البنوك بما تيسر من أموال الجمعيات التي كانت رحمة للمساهمين، ثم أصبحت كغيرها من مصاصي الدماء.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق