في احد اللقاءات التي جمعته ببعض اهل الكويت اثناء زيارته الاخيرة لها قال الرئيس اللبناني الاسبق أمين الجميل: انتم يا أهل الكويت مثل اللبنانيين غير متصالحين مع انفسكم, ولكم قدرة على افتعال المشكلات وتتفننون في كسب الاعداء.
كلمات الجميل هذه حللت الوضع من خلال عين خارجية ومجهر متجرد الى حد كبير من المشهد السياسي الكويتي, وهي كلمات تجعلنا نتأمل في مصداقيتها ومدى تطابقها بالفعل مع الاوضاع في الكويت, وخصوصا ما يتعلق منها بالازمة الاخيرة التي حصلت بعد صدور مرسوم الصوت الواحد.
المتابعون للمشهد السياسي سواء من دول الخليج او من الاشقاء العرب كانوا يرددون ويتساءلون عن الدوافع والاسباب التي جعلت شعبا مثل الشعب الكويتي يخرج الى الساحات والشوارع غاضبا وبشكل كاد ان يفقد الدولة هيبتها وأمنها. فبالنسبة لهؤلاء تتصدر الكويت قائمة الدول العربية في هامش الحرية, ولديها برلمان منتخب بشكل نزيه, ويتمتع المواطن فيها بحقوق يفتقدها الاخرون في دول عدة بالاضافة الى كل الامتيازات الاخرى التي لا يتسع المجال هنا لسردها.
في علم النفس يقول المتخصصون: اول شروط المصالحة مع النفس والذات ان تتقبل نفسك بعيوبها وزلاتها, وان يكون تقبلك للآخرين وتصالحك معهم بنفس اسلوب تصالحك مع نفسك.
لا اريد ان اكرر هنا ما تردده ادبيات المواطنة من ضرورة نبذ الخلافات وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة, والتوافق على كل ما من شأنه ان يسهم في بناء الوطن وتعزيز لحمة افراده, بما يعزز وحدته وأمنه واستقراره, فلقد مل المواطن تكرار هذه الكلمات, وانما اريد ان اذكّر كل مواطن كويتي معارضا كان أم مواليا, مسؤولا كان ام موظفا, عسكريا كان ام مدنيا, من الاسرة ام من خارجها, بضرورة ان يراجع موقفه ورؤيته للاحداث الاخيرة التي اقلقت امن الكويت, واخلّت باللحمة الوطنية التي كانت قارب نجاتنا الوحيد حين ألمّت بنا شدائد الزمن.
لم تكن قضية صوت واحد او اربعة اصوات, وانما هي انعكاس لتراكمات ألمت بنا وبنسيجنا الوطني لاسباب اهمها على الاطلاق عجزنا عن التصالح مع انفسنا ومع الآخرين في مرحلة حرجة اصبحنا في اشد الحاجة لاستدعاء تلك اللحمة الكويتية, فالمنطقة تقف على حافة البركان, والاحداث الدامية والعنيفة من حولنا تكاد ان تتسلل الى وطننا الحبيب, حتى لقد صح القول بان الكويت اصبحت في خطر من اهلها وليس من عدو خارج حدودها.
نريد من الجميع ان يعيد النظر في دواخله, واضعا نصب عينيه وضميره الكويت التي احتضنت الجميع, نبدأها بأسرة الحكم الكريمة التي يتعين عليها اليوم ولأجل الكويت التوحد والتماسك, والامر ذاته ينسحب على المعارضة بكل اطيافها لضرورة تغليب الحكمة ونبذ الانفعال والتجرد في الطرح الا لما فيه مصلحة الكويت, ولا نعفي المواطن بالطبع من دور اساسي في مشروع المصالحة الوطنية وتقييم الامور بشكل عقلاني ومدرك لما تواجهه الكويت من مخاطر, وليأتي هنا دور الشباب, وقود المجتمع, ليطفئ بتكاتفه نار الفتنة والتشرذم التي ستنال منا جميعا اذا ما استفحلت.
لاجل الكويت تصالحوا يا أهلها مع انفسكم, لتتصالحوا فيما بعد مع الآخرين, حفظ الله الكويت واهلها من كل مكروه.
* رجل أعمال
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق