ما يدور على الساحة هذه الأيام مؤشر على عمق الأزمة التي تعيشها ما يسمى كتلة الأغلبية البرلمانية، وعجزها عن إقناع الآخرين أن لديها شيئا ما تطرحه، وقد كانت هناك ارتدادات كما يحدث في الزلازل لتمردها على الشرعية الدستورية التي طالما حذرنا من الخروج عنها، لأن تلك الخطوة إعلان مبكر على عدم احترامنا للدستور، وبالتالي إضفاء شرعية على تحركات الطرف المقابل.
من ارتدادات الخروج والتمرد على الشرعية الدستورية طرح فكرة الحوار، وكأنما نحن في بلد ليس فيه دستور ينظم عمل كل الأطراف على الساحة السياسية، وأستغرب كل الاستغراب أن يتبنى النائب السابق صالح الملا مثل تلك الفكرة، رغم أنه يعي جيدا أنها لا تعني شيئا على أرض الواقع، ففي النهاية هناك دستور وآليات تنبثق عنه لتنظيم جميع مناحي الحياة على الساحة المحلية.
أتفهم موقف د. عبيد الوسمي من طرح تلك الفكرة، فهو شخص «حشر» ـ رغم أنفه ـ ضمن أغلبية لا تتفق مع أفكاره وطروحاته، وبالتالي يمكن أن يستفيد من تلك الفكرة من خلال إعادة إنتاج نفسه من جديد بشكل يتوافق مع تلك الأفكار والطروحات، قبل أن ينضم للأغلبية على ساحة انتخابية تشتد فيها المنافسة، لكن أن يطرحها النائب الملا، فالأمر يختلف ولا يمكن قبوله.
عندما تتحالف القبيلة والفهم المحدود للدين ينبغي على القوى الديمقراطية والليبرالية، التي ينتمي لها النائب السابق صالح الملا، وشخصي المتواضع أن تستنفر أوساطها وتعلن الكويت منطقة منكوبة، لأن البلد فعلا مقبل على كارثة،
لا أن تنساق خلف طروحات «خلطة» خطيرة آخر اهتماماتها الديمقراطية وما ينتج عنها من نصوص وآليات، فالأمر ليس مزحة ونحن على مفترق طرق.
فكرة الحوار «عبثية» إذا طرحت من جانب القوى الديمقراطية والليبرالية مع وجود دستور ينظم العمل السياسي والاقتصادي، خاصة عندما يكون هناك من «تمرد» عليه، وهدد بنسفه وإحلال مفاهيم التخلف والرجوع إلى الوراء محله، ولا يمكن أن يستفيد من تلك الفكرة سوى تلك القوى المتربصة بالدستور منذ زمن طويل، وهي عبارة عن امتدادات إقليمية معروفة فشلت بشكل مباشر،
والآن لها أدوات.
بودي لو يتراجع النائب السابق صالح الملا عن فكرة الحوار، لتخوفي من أن تستخدم ذريعة للتخلص من المشروع الديمقراطي برمته، ويمكن الاستهداء إلى مثل ذلك التخوف من خلال التجارب السابقة، فهناك من حاول شق الصف الوطني أكثر من مرة بمثل تلك الأفكار التي لن تؤدي إلى شيء سوى إلى إعادتنا إلى المربع الأول، بعد أن قطعنا شوطا طويلا، لم تكن القبيلة والفهم المحدود للدين موجودين فيه.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق