تقدّم خمسة من أعضاء مجلس الأمة باقتراح قانون لإلغاء قانون منع الاختلاط في المدارس والمعاهد والجامعات. ولا شك في أن هذه الخطوة تعتبر مهمة وحيوية، وتعدّل الأوضاع التعليمية المشوهة بسبب نظام عدم الاختلاط. ومن المعلوم أن نسبة الطالبات في جامعة الكويت تشارف على السبعين في المائة من إجمالي أعداد الطلبة في الجامعة، بما يستدعي توفير فصول وشعب خاصة بهم بموجب هذا القانون، وبما يمثل ضغطاً متزايداً على الهيئات التدريسية التي تواجه تزايد أعداد الطالبات والطلاب كل عام. وعندما يتمعن المرء في أوضاع الحياة الاجتماعية والعملية في الكويت، فإنه لا يجد مبررات أخلاقية واضحة لاستمرار هذا القانون المحرم للاختلاط في الحياة التعليمية، هناك اختلاط في الأسواق وفي مراكز العمل. وبناء على بيانات ديوان الخدمة المدنية، فإن هناك ما يزيد على 290 ألفاً من العاملين في الجهاز الحكومي الكويتي تبلغ نسبة الإناث من بينهم 55 في المائة بما يؤكد الاختلاط بين الذكور والإناث. أما مؤسسات القطاع الخاص والقطاع النفطي، فهي، أيضاً، تشغل النساء وفي مختلف المهن. ولا يقتصر الاختلاط على العاملين في مؤسسات القطاعين العام والخاص، بل يشمل اختلاطهم مع المراجعين من الجنسين. لماذا، إذاً، يتم التركيز على المؤسسات التعليمية وضرورة تحصينها ضد الاختلاط والمحافظة على العفة فيها؟ هل يعني ذلك أن خريجي هذه المؤسسات التعليمية سيصبحون من الملائكة بعد التخرج والانخراط في مهن وأعمال في مؤسسات تبيح الاختلاط؟ لا يبدو أن هناك مسوغات مقنعة للاستمرار في هذا النظام، والذي تقرر بموجب القانون رقم 24 لسنة 1996 في شأن التعليم العالي في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة والقانون رقم 34 لسنة 2000 في شأن إنشاء الجامعات الخاصة. وبتقديري أن عمليات الابتزاز السياسي دفعت الحكومة وعدداً من أعضاء مجلس الأمة إلى القبول بتمرير القانون في الحالتين.
الآن، يتعين على مجلس الوزراء النهوض بالمسؤولية التاريخية، والتوافق مع مقدمي الاقتراح بالتعديل المتعلّق بإلغاء نظام عدم الاختلاط والعمل على إقناع عدد كبير من أعضاء مجلس الأمة بتمرير التعديل. كذلك يجب على منظمات المجتمع المدني، خصوصاً جمعية الخريجين والجمعية الاقتصادية الكويتية وجمعية المعلمين ورابطة الأدباء ورابطة الاجتماعيين واتحاد العمال والجمعيات النسائية وأعضاء هيئة التدريس، ممارسة الضغط على الأعضاء للقبول بالتعديل. هذا الاقتراح لا بد أن يكشف المواقف الحقيقية في المجتمع السياسي، ولا شك في أن موقف مجلس الوزراء يمثل أهمية، وعلينا أن نتأكد من هذا الموقف بشكل مبكر، إذا أريد للاقتراح أن يحظى بالنجاح. كما أن مواقف القوى السياسية المتنوعة في البلاد لا بد أن تتحدد، فهل يا ترى سنرى المواقف المستحقة من المنبر الديموقراطي الكويتي والتحالف الوطني الديموقراطي والتيار التقدمي والتحالف الإسلامي الوطني وغيرها من تجمعات سياسية في البلاد؟ هذا امتحان شجاع لجميع القوى التي تؤمن بالدولة المدنية، وليس هناك من مبررات لتأجيل هذا الامتحان المستحق.
إن التكاليف المالية لنظام عدم الاختلاط باتت واضحة لدى المسؤولين في الحكومة، وهي معلومة لأعضاء مجلس الأمة، وأهم من ذلك أن تكلفة عدم الثقة بالشباب وسوء الظن فيهم تظل أهم، وهم يستحقون الثقة والتحفيز للتعامل الواثق بين الجنسين، حيث إن مستقبل البلاد مرهون بعمل كافة المواطنين من الجنسين ودون عزل وتوجس.
عامر ذياب التميمي
(باحث اقتصادي كويتي)
ameraltameemi@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق