من الملاحظ هذه الايام ان كثيرا من «المتهمين» تمت احالتهم الى النيابة بشكل مكثف ومطرد ايضا. والملاحظ ايضا ان كثيرا منهم تحفظت النيابة عليه وتم حبسه احتياطيا بناء على هذا التحفظ. طبعا التهم كلها سياسية والمتهمون اغلبهم شباب او حتى صغار السن. والتهم، كما هو معروف، التعريض بالامن الوطني او التعرض للذات الاميرية، في حالة شباب ما يسمى بالحراك. وفي حالة «البدون الكويتيين» فان التهمة القيام بتظاهرات او تخريب وتكسير ممتلكات عامة. الزبدة انه تم حبس الكثيرين احتياطيا بناء على قرارات النيابة وتوصياتها.
الملاحظ ايضا، انه بعد الحبس وبعد التحفظ قضت معظم المحاكم التي نظرت في تهم الشباب بالإفراج عنهم واسقاط التهم التي حبسوا بناء عليها، اي ان هناك شبابا قضوا وقتا لا بأس به في السجن من دون سبب وبلا دليل، خصوصا أن التحفظ والحبس الاحتياطي في حالة هؤلاء الشباب لا يبدوان لنا ضروريين او حتى منطقيين. حتى بافتراض ان النيابة كانت تخشى ان يستمروا في عملهم «التخريبي» المزعوم، فانه كان بالامكان الافراج عنهم مع تعهد بعدم ممارسة الاعمال التي سيحاكمون بناء عليها الا بعد المحاكمة.. وإلا.
النيابة العامة ايضا بالمناسبة تحيل الكثير من قضايا الرأي، والمتهم فيها في الغالب رؤساء التحرير. وتقضي المحاكم في الغالب بالبراءة واسقاط التهم. لكن بالطبع، القضاة تم اشغالهم في لا شيء ووقت رؤساء التحقيق تم هدره، اما رؤساء التحرير فقد تم تعطيل عمل مؤسساتهم، وربما اثر الامر في نشاط الوسيلة الاعلامية فامتنعت او هي اخذت في التحفظ في نشر المواضيع المتعلقة بالتهمة الموجهة لها ولرئيسها.
النيابة العامة هنا، تمارس دورا فيه الكثير من القسوة غير المبررة، وفيه الكثير من العداء للرأي العام وللناس. لسنا بهدف التشكيك في نوايا النيابة العامة، ولكن من الصعب علينا وعلى غيرنا التغاضي عن هذا الكم من التقاضي الذي ينتهي الى لا شيء. هناك اصول وقواعد ترجع لها النيابة حين تحيل قضية، اهمها بالطبع ان تكون التهمة محكمة او هي قريبة لان تكون ادانة، والا فليس هناك داع لاضاعة وقت القضاة والمتهمين على لا شيء. القصد ان هناك دواعي لــ «حفظ» بعض القضايا او في الواقع اغلبها. الواضح هنا ان الحفظ هو آخر ما يفكر فيه وكلاء النيابة عندنا. كما قلنا، لا نشكك في نوايا وكلاء النيابة ولكن نأسف لاننا نشكك في قدراتهم وامكاناتهم القانونية التي أدت وتؤدي الى هدر وقت الكثيرين وتعريض مستقبل بعض الشباب للخطر.
***
المقال اعلاه مكتوب قبل ايام، اي قبل ان اقرأ رد الزميل حسن العيسى وتحمسه لاستمرار قانون منع الاختلاط بحكم ان الذي يعارضه اليوم هو من تشدد ضد الحريات، وهم المسؤولون -هكذا- عن سجن المغردين وحجزهم. رغم ان المغردين يحاكمون والاستاذ العيسى محام معتبر على قانون الاعلام الذي مررته جماعة المقاطعة التي ينبري للدفاع عنها اليوم، وليس نواب المجلس الحالي.
كما قلت المقال مكتوب قبل قراءة مقال الزميل، والمقال اصلا دفاع عمن انبرى الزميل للدفاع عنهم. وهو موقف مبدئي بالنسبة لي، سواء كان المتهمون مقاطعة او مشاركة. فنحن ندافع عن المبادئ وليس عن الاشخاص او الظروف. وهذا كان الموقف من اقتراح اسقاط قانون منع الاختلاط. فنحن مع اسقاط القانون لعدم دستوريته، ولن نكسبه الشرعية ولن نوفر له الدعم الذي وفره الزميل، لا لشيء الا لان من نختلف معهم يعملون لالغائه!
ترى ماذا سيكون موقف الزميل وشلة مؤيدي قانون منع الاختلاط الجدد لو ان نواب مجلس الصوت الواحد – حسب توصيفهم الساذج – ايدوا المنع، وعارضوا اسقاط القانون.. لكنهم اعترضوا على سجن المغردين وايدوا نواب المقاطعة في محنتهم؟ لو انعكس الامر، فهل سيغير مؤيدو منع الاختلاط موقفهم. ويعترضون على اطلاق سراح المغردين والغاء الاحكام لان النواب الذين ايدوا منع الاختلاط يطالبون بالافراج عن المغردين؟ سؤال ساذج جدا.. لكن ما العمل؟
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق