جاءت التوصية الوزارية الأخيرة والموجهة إلى بنك التسليف والادخار بزيادة القرض الإسكاني من 70 ألفا ليصل إلى 100 ألف دينار لتثير علامة استفهام حول توجه الدولة الحقيقي في معالجة الأزمة الإسكانية التي باتت تتفاقم بشكل مطرد مسببة مشاكل اجتماعية ومالية وأحيانا نفسية وبدأت تؤرق فئة الشباب على وجه العموم.
لم يكلف مجلس الوزراء عناء نفسه للبحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة وطرق معالجتها وآلية الحد من مخاطرها وكأن الحل الوحيد لها هو زيادة القرض الإسكاني الذي لن يتم إلا بعد صدور تشريع خاص به عن طريق مجلس الأمة. فالأعباء المالية التي تتكبدها الدولة ستزداد حتما دون أن يكون لذلك حل واقعي وملموس، هذا بالطبع إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قيمة الدعم الحكومي المقدم للمواطنين كبدل للإيجار والذي يكلف ميزانية الدولة حوالي 192 مليون دينار سنويا تصرف عن طريق المؤسسة العامة للرعاية السكينة. فمن يضمن مثلا ارتفاع أسعار العقارات السكنية بما يعادل الثلاثين ألف دينار بسبب هذه الزيادة وهي التي شهدت فعليا زيادة بمقدار20 في المئة تقريبا خلال العام الماضي بسبب قلة المعروض وزيادة الطلب. ثم، هل ستضمن الحكومة عدم قيام تجار مواد البناء من زيادة أسعارهم ونحن نعيش بعد كل زيادة يشهدها القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ارتفاع في قيمة المنتجات الاستهلاكية المعيشية المختلفة!
لماذا لا يتساءل أعضاء مجلس الوزراء عن الأسباب الحقيقية لتعثر المؤسسة العامة للرعاية السكنية من توفير المنازل وبمعدل لا يتجاوز 6000 منزل سنويا على أبعد تقدير خلال السنوات الماضية؟ فإذا كانت العلة هي ندرة الأراضي بسبب سيطرة شركة نفط الكويت على مساحة شاسعة من الأراضي فإنها أعلنت أخيرا عن تحرير مساحة 4800 كيلومتر مربع من الأراضي للمؤسسة العامة للرعاية السكنية وذلك للتخفيف من حدة الأزمة الإسكانية وفقا لما جاء على لسان رئيس شركة نفط الكويت السيد سامي الرشيد.
وبحسبة بسيطة، فإن حجم المساحة المحررة تعادل حوالي 27 في المئة من إجمالي مساحة الدولة البالغة 17،818 كيلومتر مربع، علما بأن هذه النسبة ستزاداد إذا ما تم مقارنتها بمساحة الأراضي غير المستغلة. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم المساحة التي يحتاجها المنزل الواحد شاملا جميع المساحات الخدمية من شوارع ومناطق الخدمات المختلفة، فإن عدد المنازل التي يمكن أن توفرها الدولة خلال الفترة الزمنية المقبلة من خلال استغلال مساحة الـ 4800 كيلومتر مربع المحررة من شركة نفط الكويت ستكون كفيلة بحل الأزمة السكانية برمتها.
إذا كانت المؤسسة العامة للرعاية السكنية عاجزة عن القيام بذلك لأي سبب كان، ونحن لسنا بصدد البحث عن هذه الأسباب، فلماذا لا يشارك القطاع الخاص الذي يعاني الأمرين من جراء الأزمة المالية وبسبب افتقار الدولة لفرص الاستثمار الحقيقية في حل هذه المشكلة؟ لماذا لا تكلف هذه الشركات ببناء المدن السكنية دون أن يكون لذلك أي تكلفة على الدولة مقابل أن تتمتع تلك الشركات بمزايا إدارة المرافق العامة ومناطق الخدمات المختلفة التي تعتبر أساسية في جميع المناطق وذلك كوسيلة لاستعادة رأس المال بالإضافة إلى استغلال فرص استثمارية أخرى داخل تلك المناطق لعل ذلك يجدي نفعا في معالجة هذه القضية التي أكل عليها الدهر وشرب.
لا أقصد هذا المقترح بالتحديد، إلا أن إيجاد الحلول الواقعية المناسبة بدلا من حلول الخبط واللزق ذات المخارج السلبية والوقتية، التي سيأتي يوما لتكتشف من خلالها الحكومة عدم جدواها، أضحى ضرورة قصوى لا تحتمل التأجيل.
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق