جاسم بودي: الخطيب .. خرّف

«قريبا جداً راح ابط الجربة وخل يقولون ان الخطيب خرف»… بهذه الكلمات أنهى الاستاذ الدكتور أحمد الخطيب محاضرته الأخيرة في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بعدما تحدث عن الكويت الشابة و«الشايبة» وعن المنطقة وواقعها وأبراجها.
كعادة هذا الرمز الذي يتفق معه كثيرون ويختلف معه كثيرون، لا بد من أن يطلق كلمة – صدمة تهز المتلقي لمحاضرته وتجعله يفكر في ما قاله أو ماسيقوله. يكره «الدكتور» الكلام المجاني والتنظير والشعارات ويحاول قدر الإمكان أن يملأ الفراغ بما يعتقد أنه مفيد في إنارة الدروب انطلاقا من خبرته الشخصية وتاريخه الوطني والسياسي العريق.
«الخطيب خرف»؟ قالها الاستاذ في معرض توقعه لردود الفعل على مداخلاته الاخيرة، خصوصا أن اللغة التي يستخدمها بعض خصومه أو حتى بعض حلفائه ما عادت تنتمي إلى زمانه وقامته واسلوبه وتحضره. هو الذي، اذا تكلم، رسم الحد الفاصل بين «الوطني» و«السياسي» ودفعك دفعاً إلى التمني بارتقاء العمل السياسي إلى الرحاب الوطني.
لا أريد هنا أن أدافع عن «الدكتور»، فلا هو يحتاج، ولا مساحات الالتقاء بيننا متطابقة مئة في المئة. انما سأعرض لبعض مواقفه كي نعرف ما اذا كان خصومه سيقولون «خرف»… وابدأ بقضيتين تسيطران اليوم على المشهد السياسي تحدث عنهما الدكتور مرارا في السابق وكأنه يعرف تماما تواريخ حصولهما: الحراك ولغته، والطائفية وأمراضها. في الاولى كان دائما يقول «الحراك الشعبي بحاجة الى التهذيب في لغة الحوار والترفع عن الاسفاف وسوء الظن والاثم». وفي الثانية: «الخليط المتجانس في الكويت حماها وجعلها محبوبة للجميع وأصبح هناك من يدافع عنها إلا أن هذا التلاحم كله قد ذهب وحل محله الصراع الطائفي والعنصري».
رغم ذلك يرى الخطيب أملا متمثلا في الشباب «فرغم الوضع المعقد الا ان هناك شيئا جميلا يبعث على الامل وهم الشباب الذين يمثلون الغالبية وبإمكانهم لعب دور مهم على الاقل في تخفيف الخسارة»، ويراهن «على ان المستقبل هو مستقبل الشباب الذين سيقودون البلاد وينقذونها من حالة التردي التي وصلت اليها»، ورأى ان امام الشباب «فرصة تاريخية لانقاذ الكويت وان لم تستغلوها فلن تتكرر مرة اخرى. أوصلوا إلى قاعة عبد الله السالم من يراعون الوطن ويضعونه نصب أعينهم»، معتبرا انهم الشباب الضمانة الاكيدة لإصلاح الاوضاع ، ومطالبا اياهم بان يعملوا «يدا واحدة ولا تدعوا احدا يفرقكم»، ومشددا على ان الحركة الشبابية يجب ان تكون «سلمية سلمية سلمية ولا تؤمن بالعنف لانها حضارية».
في بدايات الحراك الشعبي، واذكر في مارس 2011، وقف الخطيب خطيبا منفردا في ساحة «التغيير». دعا الشباب الى التمسك بالدستور وتطبيقه وتثبيته أولا ثم تغييره نحو الافضل من اجل مزيد من المكتسبات الشعبية. وعندما اراد كثيرون مهاجمة مسؤولين في السلطة بالاسم رفض مواكبتهم بل رد عليهم: «لا تتوقفوا عند شخص او اشخاص بل المطلوب تغيير نهج هذا هو الأهم».
يومها، ركز الدكتور على ممارسات بعض من في أمن الدولة، قال في الهواء الطلق ان تحديد مهمات هذا الجهاز مطلوبة رافضا السماح لبعض من فيه بالتعدي على القوانين والتسلط على الناس… ورافضا تحويله الى جهاز لـ«تخريب أمن الدولة».
يقر الدكتور الخطيب بان الكويت كانت الرائدة والقدوة في السياسة والرياضة والاقتصاد لكن هذه القدوة عنده مرتبطة بان الكويت كانت تحكم بدستور 1962 «وبالرغم من هذه المآسي كنت اقول ان للكويت نكهة خاصة لا توجد لا في الدول المجاورة ولا في الدول البعيدة». ويطالب باستقلال القضاء وبلعب القضاء دورا «في تطهير الجهاز الاداري من الحرامية والدجالين والحاشية ممن ليس لديهم ضمير».
يحذر «الاستاذ» من ان التفريط بالعقد «الذي تم بين الصباح واهل الكويت الممثلين في المجلس التأسيسي سيؤدي الى الاطاحة بالكويت شعبا وحكاما ووطنا». هو يرى المشكلة في مكان آخر. يراها في انحراف السلطة وغيرها عن مسيرة الدستور من خلال «انتهاج سياسة معادية للتيار الوطني الاصلاحي بكل فئاته والتحالف مع القوى المتخلفة وعبدة المال والاحزاب الدينية المعادية للدستور … فأصبح هناك تلاق استراتيجي معاد للدستور (…) لم تعد للدستور قيمة ولا القوانين محترمة ولا رادع لسراق المال العام».
في محاضرته الاخيرة التي ختمها بانه سيبط الجربة وليقل من يقول ان الخطيب خرف، كان يرد على نقطة في غاية الخطورة. يرد على جزء من الكويتيين ادمنوا جلد الذات باتجاه انكار اي نقطة مضيئة في الكويت والتغني فقط بانجازات الدول المحيطة. هنا رد الخطيب بان ذلك «تدجيل ما بعده تدجيل. العمارات الشاهقة والاسواق والتطاول بالبروج كل هذا من النفط ولم تكن فيه شطارة اما نحن في الكويت فلدينا شيء غير موجود عندهم وهوالدستور. نحن نستطيع ان نتكلم وننتقد. الدستور يحكمنا وينظمنا وما دام باقيا فنحن أحسن من غيرنا مليون مرة».
هذا كان في ختام محاضرته الاخيرة، اما ختام هذه المقالة فهو بداية مقالة الدكتور المنشورة في نوفمبر 2012 حيث قال: «الخلافات وكثرة الاحتمالات تساعد على بلورة الرأي الصائب بعكس القوالب الجامدة او المحكومة بنظريات يعتبرها اصحابها مقدسة غير قابلة للتغيير… لأن ذلك يولد قطيعا بشريا لا عقل ولا ارادة له».
الخطيب «خرف»؟ اعتقد بعد هذا العرض الموجز والسريع جدا لبعض مواقفه ان «التخريف» والتخلف عند ارباب سياسة القطيع لا عنده… وربما اراد الدكتور بـ«إبرته» المشهورة في معالجة الألم ان يوقظ البعض ويوسع مداركهم ويفتح أبصارهم لرؤية أماكن «التخريف» وأماكن الحكمة بوضوح أكبر.
جاسم بودي

المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.