تلك هي الراحلة العزيزة غنيمة فهد المرزوق والتي قرأت لها كلمات تحمل قوة النار وحرقتها والصادرة عن صدر فتاة في مقتبل العمر ترثي أخاها (مرزوق) الذي اختطفته يد المنون في أول صباه.
تقول صاحبتنا في ذلك: يا أعز راحل ويا أعز فقيد ويا أعز عزيز إن بين أضلعي نيراناً متأججة لفراقك وقلباً حطمه الجزع لبعدك.
ثم تأتي إلى تشبيه موقفها من المأساة بموقف (الخنساء) عندما فجعت بأخيها (صخر) وقالت فيه:
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكين مثل أخي ولكن
أعزّي النفس فيه بالتأسي
كان ذلك اوائل الخمسينات من القرن الماضي وأبكت صاحبتنا الكويت الصغيرة كلها آنذاك وها هي اليوم الكويت وقد كبرت تبكي الكاتبة (غنيمة فهد المرزوق)- المقال منشور في مجلة البعثة 1951.
ما عرفت غنيمة صغيرة رغم ضآلة عدد مدارس البنات آنذاك (اثنتان فقط) شرق – قبلة- لكنها أطلّت علينا شابة جميلة في المدرسة القبلية والتقيناها في منزل المرحوم يوسف الحميضي لعلاقتها الوطيدة مع شيخة ونورية زميلتينا دراسياً. كانت عائدة من الباكستان شأن كثير من الأسر الكويتية التي انتشرت بحكم عملها التجاري على المساحة الكبرى للهند آنذاك. قبل أن يطالها التقسيم والانشطار… كانت إطلالة جميلة وأنيقة وكان اللافت فيها هو استخدامها للربطة الحريرية حول عنقها تلك التي كانت تتغير ألوانها بما يتناسب مع أزيائها الأمر الذي كان موضوعاً لهمساتنا ملحقاً بذلك تقليد نالها.
لقد وصلت الكويت في الفترة المفصلية في تعليم البنات (القبلية) حيث انقسمت الطالبات ما بين استئناف النظام الثانوي حسب مناهج الذكور (ثانوية الشويخ) وبين اختبار ما يشبه كلية المعلمات حيث الدراسة ثلاث سنوات تتخرج الطالبة بعدها (معلمة) فاختارت صاحبتنا تلك الكلية ولكن عندما كانت خاتمة الثانوي الأول له هو البعثة الجامعية فقد غيرت اتجاهها وأكملت الثانوي بعد المعلمات لتلحق بنا في جامعة القاهرة وفي القسم الذي سبقتها إليه (الصحافة- كلية الآداب) وما كانت تلك هي الحلقة الأولى التي ربطتني بها لقد سبقتها حرقتي على شباب أخي- مثلها- أيضا (عبدالوهاب) وكان في السنة النهائية لكلية الهندسة في جامعة القاهرة في زمن كنت أعد نفسي للتمثيل المسرحي المدرسي لشخصية (العباسة أخت الرشيد) بعد نجاحي في مسرحية في سبيل التاج للمنفلوطي في السنة السابقة لذلك ولما شل الحزن لساني كانت الحبيبة غنيمة المرزوق بديلا عني ونجحت نجاحا باهرا إلا أنها قالت لي بعد ذلك (تمنيت أن أستعير قوة صوتك) ضحكنا وقتها لذلك (على فكرة ما كانت الكويت تعرف الميكروفون).
اقترنت صاحبتنا بزميلنا المرحوم فجحان هلال المطيري وتأسست بتعاونهما مؤسسة فهد المرزوق الإعلامية والمطبعة والمجلة العظيمة (أسرتي) واحتفظنا هي وأنا بالسر الذي احتوته صدورنا فيما يخص تسميتها 1964.
والذي اختارته بوحي من برنامجي التلفزيوني آنذاك والمسمى (دنيا الأسرة) وكانت الحلقة الأولى منه سبتمبر 1963.
رفعت المرحومة الغالية علي الهاتف، وباركت لي ظهوري على الشاشة- غير المتوقع على الإطلاق لا عندها ولا عند أهل الكويت جميعا- وسألتني كيف فكرت بالاسم قلت لها إن مدير التلفزيون آنذاك استدعاني- وكنت أعمل في وزارة الخارجية- وطلب مني أن احتل مكان زميلة مصرية تقدم (برنامج المرأة) فاشترطت عليه إبدال الاسم والمعنى والتوجه على أن يكون للأسرة لأن المرأة شريك للرجل في هذه المهمة الجليلة فاقتنع (الصديق الدكتور يعقوب الغنيم) ضحكت وقالت (ما إنت سهلة!!!) وسعدت بصدور (أسرتي) كما سعدت هي بظهور (دنيا الأسرة) وبمبادرتنا هي وأنا تغيرت كل برامج المواطن العربي باتجاهها إلى الأسرة في الراديو والتلفزيون.
يرحمها الله… قاتلاً كان تواضعها تعمل الكثير ولا تظهر إلا بالقليل.. القليل.
تفكر بكل من حولها من العائلة الصغيرة حتى الوطن الكبير متناسية – وعن عمد- نفسها.
تحب العمل مهما كبر وتضخم وتكره الظهور.
اشتكتها احدى بناتها عندي مرة لأنها تطوي آلامها بين جوانحها ولا تحب الشكوى تلهث حول صحة من حولها وتهمل صحتها.
تذوب خجلاً أمام كل كلمة ثناء تستحق ما هو أكثر منها، لكنها غنيمة فهد المرزوق- هي هذه- لا يغيرها جاه ولا مال- لا تهزها قصيدة مدح لكنها تذوب أمام دمعة أي إنسان.
يرحمك الله يا أعز عزيزة.
فاطمة حسين
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق