خلاف جماعة المقاطعة على الحكومة المنتخبة «يفشل». إذ من المفروض اولا، ان يكون الموقف مما يسمى بالحكومة المنتخبة محسوما من قبل «الديموقراطيين». فهذه قضية ديموقراطية لا تقبل النقاش اصلا. بل ان دستورنا يعترف، نعم يعترف، بان اشراك الوزراء كاعضاء في مجلس الامة هو فكرة «ابتدعها» المشرع الكويتي وليست من خصائص النظام الديموقراطي او الحكم البرلماني. لهذا فان من الفشلة انه بعد خمسين عاما من الممارسة الانتخابية والبرلمانية والديموقراطية ان يتردد بعض المعنيين بهذه الممارسة في تقبل فكرة تشكيل حكومة «منتخبة» بدلا مما ابتدعه المشرع الكويتي.
ثانيا، ليست هناك حكومة منتخبة، بل حكومة برلمانية تعينها او تشكلها الاغلبية البرلمانية. وقد شهدت الكويت الحكومة البرلمانية الوحيدة. وهي – بالصدفة ربما – اسوأ حكومة مرت على الكويت حتى الآن. وهي الوزارة الرابعة برئاسة المرحوم الشيخ صباح السالم الصباح في 3 يناير 1965. وهي الوزارة التي شكلتها، او بشكل ادق، فرضت تشكيلها الاغلبية البرلمانية على انقاض الوزارة «الوطنية» التي تشكلت – من قبل السلطة – قبلها بايام. هذه الوزارة لم تكن فقط اسوأ وزارة في تاريخ الكويت وحسب، بل كانت الوزارة التي ارست تقليد تحول الوزراء الى «موظفين كبار»، وفي الواقع هذا كان حال اغلب اعضائها او كل اعضائها من غير الشيوخ. فقد كان اغلبهم من كبار موظفي الدولة. وقد جرى تعيينهم لانهم ليسوا «تجارا» كحال وزراء الحكومة التي اسقطت، اي كبار موظفين. هذه كانت حكومة على قولة جماعة المقاطعة «منتخبة» كاملة الدسم. فقد جرى انتخابها – نيابة عن الامة – وتم فرضها على السلطة من قبل اغلبية مجلس 1963 المنتخبة انتخابا شرعيا من قبل الامة مصدر السلطات.
ان تطوير النظام الديموقراطي لا يتم عبر اطلاق شعارات جوفاء، او استباق وحرق مراحل تاريخية ضرورية، كما يفعل جماعة ما يسمى بالحراك. فاغلبية مجلس 2012 المبطل هي بالضبط اغلبية مجلس 1963، الاختلاف فقط في الموقف من السلطة. هذا الموقف الذي قد ينقلب 180 درجة اذا تخلت السلطة عن صبغتها المدنية ونفسها الاصلاحي الذي اعلنت عن انطلاقه مع بدء عهد حضرة صاحب السمو. بغض النظر عن العنترية ودعاوى المعارضة والديموقراطية، تبقى الاغلبية المعارضة في 2012 هي الاغلبية ذاتها التي عارضت الحكومة الوطنية، فهما يشتركان في الاهداف وفي الموقف من الدولة المدنية ومن التنمية والاصلاح الحقيقي.
ان المؤسف ان جماعة المقاطعة قد شوهوا النضال الديموقراطي. والصقوا سيئات وسوءات بالمظاهر والمؤسسات الديموقراطية بحيث غدا أمرا بديهيا مثل التطور نحو النظام البرلماني الكامل او حتى الاقتراب منه قضية خلافية او محرمة كما هي الحال بين جماعة المقاطعة.
ان مصير الكويت هو الانتقال الى النظام الديموقراطي الكامل. انها طبيعة التطور وخاصية المجتمع الديموقراطي الذي قبل به الكويتيون جميعا، حكاما ومحكومين، قبل خمسين عاما. لذا فان من العار، قبل المؤسف، ان تكون الحكومة البرلمانية امرا منكرا او حتى محل تساؤل هذه الايام.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق