رغم أن قانون تجنيس إخواننا البدون الذي أقر في مداولته الثانية لم يرق إلى مستوى الطموح الذي كنا ننشده لحل هذه القضية التي باتت أقدم قضية إنسانية وقانونية في تاريخ الكويت، ومازالت قائمة، إلا أننا استبشرنا خيرا بأن جزءا بسيطا من أبناء هذه الفئة المظلومة سينالون حقوقهم في المواطنة، بعد عقود طويلة من التهميش والتجاهل والتسويف.
ومع إيماننا بأن التصنيفات التي وضعها الجهاز المركزي لمعالجة أوضاعهم هي تصنيفات تزيد من الأمر تعقيدا، ولكننا نراقب عن كثب كيفية تعامل الجهاز المركزي مع تلك الحالات، والمعايير التي وضعت لتجنيسهم، ولاسيما أن البعض ومنهم نواب في المجلس – وللأسف الشديد – يرون في قانون التجنيس كعكة يسعون للحصول على قطعة منها، لتجنيس أقربائهم ومعارفهم ممن لا ينطبق عليهم القانون من حيث التواجد القديم، واستمرارية العيش في الكويت، طبقا للبند (ثالثا) من المادة (5) من قانون الجنسية الكويتي.
إحدى تلك الفئات التي أعلن الجهاز المركزي عن استقبالها هي فئة أصحاب الشهادات العليا من أبناء الكويتيين البدون، ولا شك أنها من أهم الفئات التي يجب على الدولة الإسراع في تجنيسها، وذلك لسببين رئيسين: الأول أنهم في الأصل أصحاب حق كونهم من أبناء تلك الفئة التي حُرمت من حقها في المواطنة كباقي الفئات الأخرى التي مازالت بانتظار إنصافها، كأصحاب المستندات القديمة والخدمات الجليلة وأبناء الشهداء والأسرى والعسكريين والمشاركين في الحروب، والسبب الأخر هو حاجة البلد الماسة إلى تلك العقول المتفتحة والمثقفة والواعية في بناء حاضرها ومستقبلها.
هؤلاء الأكاديميون من أصحاب شهادات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس لا شك أنهم أصحاب همة عالية، ستضيف للكويت الكثير في مختلف المجالات، ولاسيما أنهم استطاعوا هزيمة ظروفهم الصعبة، وحققوا نتائج متميزة في مختلف العلوم. ومن خلال معرفتي بالبعض من هؤلاء الأخوة وجدت منهم إصرارا كبيرا على تطوير ذواتهم والتميز، سواء في مواقعهم العملية أو البحثية أو الأكاديمية، وكنت شاهدا على هذا التميز. يحزنني كثيرا تفكير بعضهم في الهجرة إلى الخارج، حيث هناك من يقدّر ويحترم ما يحملونه من شهادات علمية وخبرات وظيفية، وهناك منهم – وللأسف الشديد -من اتخذ هذا القرار واتجه إلى أوروبا وكندا فوجد فيها ما يبحث عنه من موقع علمي ووظيفي ووجاهة مهنية لم يجدها في الكويت.
أحد هؤلاء الإخوة التقيته قبل أيام، وسألته أين وصل في موضوع تقديم أوراقه للحصول على الجنسية الكويتية، كما أعلن الجهاز المركزي على لسان رئيسه في خريطة الطريق لحل قضية البدون فابتسم ضاحكا، وقال لي: «يا دكتور الأمر لا يتعدى كونه إشاعة إعلامية.. أما على أرض الواقع فالأمر مختلف تماما، فمنذ أشهر طويلة ونحن غارقون في بحر التسويف والتأجيل والإهمال، والأمر لا يتعدى كونه استلام شهاداتنا العلمية ومستنداتنا الرسمية، وحينما نراجع للسؤال لا نرى في عيون الموظفين إجابة شافية، والبعض منهم يتعامل معنا بتعال، ولا يعرف قيمة تلك الشهادات التي بين يديه».
خطابي أوجهه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء مباشرة الذي التقيته قبل عدة أيام، وأكد لي حرصه على الاستعجال في تجنيس المستحقين من إخواننا الكويتيين البدون. يا سمو الرئيس أنت من أبديت حرصك على تبني وتنفيذ رؤية سمو الأمير بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، وهذا الأمر بلا شك لا يتحقق إلا بوجود طاقات شبابية متعلمة ومثقفة وتحمل شهادات عليا في مختلف المجالات العلمية، لذلك أتمنى عليك ومن باب المصلحة العليا للبلد أن تتبنى ملف إخواننا البدون من ذوي الشهادات العليا بنفسك، ولا تتركه بيد من لا يعرف قيمتهم، فعددهم لا يتجاوز 200 شخص والكويت بحاجتهم أكثر مما هم بحاجة للجنسية التي يستطيعون الحصول عليها من دول عدة تعرف قيمة العلم والعلماء.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق