هل نحن أمام الدولة المدنية التي حلم بها الآباء والأجداد المؤسسون للدولة العصرية، والتي توجت بدستور 1962؟ هل نحن أمام دولة المؤسسات، دولة المواطنة، دولة القانون؟
لاشك في أن ولادة هذه الدولة شهدت تجاذبات بين قوى محافظة وقوى مجددة، وملامح الدولة المدنية كانت في تعليم عصري واهتمام بالطبابة والصحة ونشوء دور العلم والفكر والفن والاهتمام بقضايا الشباب والرياضة، ملامح الدولة المدنية حلم بها المصلحون ودعمت من بعض أفراد الحكم، وشهدت النهضة ذروتها في الخمسينات، وتوجت كما أسلفنا في الدستور عام 1962.
ولاشك في أن الدستور يشير في المادة 175 إلى عدم جواز تعديل النصوص الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة، إلا إذا كان الهدف من تعديلها هو زيادتها وتوسيعها، والمقصد منها عدم الانتقاص من حريات المواطنين أو حقوقهم.
فهل نحن نعيش هذا الحلم؟ نحن نعيش اليوم تقلص ملامح الدولة المدنية وعلى يد من؟ على يد من يعيشون وعاشوا في كنف الدولة المدنية، ونهلوا من تعليمها ومن خيراتها، نعيش صورة قاتمة يتم انتهاك القانون باسم القانون، وتقلص فيها حقوق المواطنة بإقصاء نصف المجتمع من المشاركة في القرار، ويتم تكريس الفئوية والطائفية بمسميات جديدة. وتتحول الديموقراطية والانتخابات من آلية للتغيير إلى آلية للتدمير، قد يحزننا المشهد كثيراً، ولكن المحزن الأكبر هو أن تقدّم السلطة تنازلات سياسية على حساب الدولة المدنية، وللأسف ألّا يستوعب بعض من اللاعبين الدروس التي استوعبها الجميع في دول مثل تركيا وماليزيا، حيث تصالحت فيها مصالح الدولة المدنية العليا مع مظاهر التدين، ولكنهم لم يتنازلوا عن الدولة العصرية التي استوعبها المشرع الكويتي قبل خمسين عاماً، عندما أشار بوضوح إلى الضرورات العملية التي أفرزها العصر الحديث في المعاملات والاقتصاد وغيرهما من منافع الناس والعصر. حلم الدولة المدنية ينحسر أمام فهم ضيق وأفق أضيق للتعامل مع العصر والناس بمفهوم أحادي وقضايا هامشية، فهل يضيّع البعض مكاسب حققها المجتمع الكويتي على مدى عقود بنشوة عابرة، العين اليوم على الحكومة التي يجب أن تدافع عن الدستور والقانون والنظام، فتكسب نفسها قبل أن تكسب معارك تكتيكية تقدم فيها تنازلات، فتغيب ملامح الدولة المدنية العصرية.
د. محمد عبدالله العبدالجادر
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق