حقوقنا.. والزحف نحو الظلام!

سليمان البسام
في الاتحاد السوفيتي السابق أسست الدولة لجاناً متحجرة لتطبيق مفهوم الاشتراكية الاجتماعية على المنتج الفني، وكانت تداهم المسارح والصالونات الفنية ودور الأوبرا بجواسيسها ومخابراتها، وتصدر أحكاماً عرفية على الفنانين المتهمين، فتحرمهم من تمويل الدولة لأعمالهم، وترسلهم الى حقول سيبيريا الجليدية في بعض الأحيان.
وقبل أيام زار بعض رجال الأمن المعرض التشكيلي للفنانة شروق أمين، ليس لولعهم بالفنون التشكيلية ـــ لا سمح الله ـــ بل لاغلاقه بعد ساعتين فقط من افتتاحه بدعوى الاخلال بالآداب العامة والاضرار بالمجتمع. وقبل ذلك بأسبوعين اختفى فيلم الدكتور نايف المطوع «99» الخاص بالأطفال من جدول العروض المرسومة له في دور السينما، رغم افتتاحه رسمياً، بحجة زائفة مفادها احتواؤه على مس بالذات الالهية.
واقعتان لافتتان ترسمان ملامح الزحف نحو هيكل ثقافي متهالك خاوٍ من أي آفاق، اللهم الا الهوس بالهستيريا الجنسية والتابوهات الرقابية المُتوهمة، والله وحده يعلم من خوّل هؤلاء ارتكاب هذه المخالفات ضد حقوق المواطنة المصونة دستورياً، فهل من المعقول أن يضرب بقوانين الدولة عرض الحائط، وأن يكون للحكومة موقف الصامت، بينما أجهزتها هي من تلقت الأوامر ونفذتها بناءً على بلاغات وضغوطات لا مسوغ قانونياً لها أصلاً، في تصرف أقرب للبلطجة لا يستند الى أي تقييم فني أو تقني.
في المجتمع السوفيتي، كانت شراسة فرق مطاردة الفن موازية لأهميته، الأمر الذي تطلب تنظيماً هائلاً وشراسة محاكم التفتيش، ورغم عدم وجود وجه للمقارنة في محورية الفن بين المجتمعين، فإن أهمية الفن في الكويت تكمن بتشغيله وتفعيله للفضاءات العامة بجدلية وحيوية تناقض ــــ بل وتهدم ــــ تماماً مشروع طيور الظلام، الذين لا يتمنون للفضاء المدني الا بئس المصير.
على الأقل كان للبلاشفة مرتكزات ومنهجية مبنية على تقييم فني وتقني، أو هكذا صوروا، بينما العادات والتقاليد هي المرجعية اليتيمة التي تشهر في وجه الفعاليات الفنية الكويتية، هذه المرجعية التي تشكل فسيفساء من الطلاسم لفرط غموضها وابهامها والتباسها، وبالتالي فهي خير سلاح بيد من يتربص للنيل من الفن والثقافة، ومن يدري فقد يأتي اليوم الذي يُرسل فيه الفنانون المخالفون الى العبدلي ـــ المرادف الكويتي لسيبيريا ـــ للعمل في مزارعها، أو يبقون حبيسي المنفى الداخلي الذي يعيش فيه الفنان منذ بدأت الدولة بالتقاعس عن مسؤولياتها تجاه الثقافة والتعبير الفني.
وعليه، فاننا نتمنى أن تتحول الجهات الرسمية المعنية بالثقافة والفن من جهة لمنح التصاريح فقط، الى خط دفاع لمواجهة الهجمة الظلامية، وأن تضطلع بدور استشاري وتوجيهي لحماية الثقافة والفن وأهلهما، علماً أن مسألة الرقابة المسبقة في الأعمال الفنية موضوع شائك أصلاً، فما الحاجة الى لجان الاجازة ما دامت هناك قوانين تتكفل بالرقابة اللاحقة ــ كقانون المرئي والمسموع ــ وبالتالي فان تحرير الجهات الثقافية من الواجب الرقابي يحولها الى حصن أشبه بـ «مكتب خدمة الفنان»، الذي يلجأ له الفنان ليمده بالتوجيهات والاستشارات القانونية التي تمكنه من ممارسة واجبه الفني ودوره ـــ وفقاً لما هو مضمون دستورياً وقانونياً ـــ والتعاطي مع مجتمعه بالشكل الأصح.

سليمان البسام
(كاتب ومسرحي كويتي)
admin@sabab.org

المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.