كل مشروع نهضوي ليس له مدخل سوى المناهج المدرسية، فهي البذرة الأولى التي تبذرها الدول والمجتمعات من أجل مستقبل أفضل لأبنائها، ومهما حاول أحد أن يعمل على تسويق مثل ذلك المشروع بعيدا عن البذرة الأولى فسيخفق لا محالة، وكما قيل قديما «العلم في الصغر كالنقش عالحجر»، ومادام الأمر كذلك فلابد من تدخل أميري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في تلك الوزارة المسماة مجازا وزارة التربية.
تلك الوزارة تحتضر بدءا من اسمها الذي لا يتسق مع التطور العالمي على صعيد المعرفة، مرورا بقياداتها ومناهجها الملتبسة على كل الأصعدة، فهي خليط من أساطير وشخوص، بعضها متناقض وبعضها أصابه التلف منذ عقود طويلة، وبعضها يقبع في عصر الظلام ويطل بين الحين والآخر من صومعته المنسوجة بالمذهبية والمناطقية، وليس من الممكن في الحال هذه أن نستفيد من تلك المليارات التي تصرف على تلك الوزارة.
سبق أن تطرقت في إحدى المقالات إلى التجربة الفنلندية وكيف تحولت من دولة في مؤخرة الركب على صعيد التعليم إلى الدولة الأولى في الأعوام العشرة الأخيرة على بقية دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غرب أوروبا، كما تطرقت إلى التجربة السنغافورية المميزة في التعليم، وكذلك التجربة الصينية، وهي تجارب يقف خلفها بشر مثلنا، لكنهم تمكنوا من فعل شيء ما أمام واقعهم المتردي فماذا فعلنا نحن؟! لا شيء طبعا رغم تحذيرات المختصين، وبينهم د. أحمد الربعي ـ رحمه الله ـ فقد وصف وأجاد وصف الواقع التعليمي، عندما قال إنه «هرم» مقلوب، وهو فعلا كذلك، ومازال حتى يومنا ينتظر يد الجراح الماهر، الذي يتمكن من إعادة صياغة المشهد السياسي لمصلحة البلد، ولا أتوقع أن يعجز عن فعل ذلك بالنسبة للتعليم، فهو لا يقل خطورة عما شهدته البلاد خلال الفترة الماضية باعتباره مستقبل أبنائنا.
عندما نقول إن وزارة التربية «تحتضر» لا مبالغة في مثل ذلك القول، والشواهد كثيرة إن على صعيد الهياكل التنظيمية أو على صعيد جودة التعليم، رغم أن المباني المدرسية وخاصة الجديدة منها يمكن أن تكون منطلقا لمرحلة جديدة من التعليم، نستطيع المراهنة عليها لانتشال أبنائنا من الواقع المتردي الذي نعيشه منذ نظرنا إلى مهنة التعليم على أنها مجرد وظيفة، وبنينا كوادرنا على هذا الأساس.
قم بكتابة اول تعليق