يرى بعض المفكرين والسياسيين بأن الأخلاق والسياسة لهما ارتباط وثيق في المجال النظري والفلسفي لأجل الصالح العام والقيم الانسانية المتمثلة بالصدق والأمانة والاخلاص والمساواة والعدالة والولاء والانتماء.يوضح كانت (KANT) في تحليله للسلوك الانساني ان تصرفات الأفراد وعلاقاتهم ببعضهم البعض وبالدولة لابد ان تتقيد بمبادئ الأخلاق في ظل سيادة القانون واحترام حقوق الانسان، وما يحدد العلاقات بين الأفراد وحقوقهم وواجباتهم تجاه الدولة هو القانون الأخلاقي.أما أفلاطون فيرى ان الدولة تبدأ بالقوة وتتوسط بالترغيب والترهيب وتنتهي بالمحاباة.ان فصل السياسة عن الأخلاق هو فصل (العقل عن العاطفة) فنجد ان أغلب الخطابات السياسية في المنتديات والندوات والتجمعات تحاكي العواطف والمشاعر ودغدغتها والتأثير عليها بشكل كبير باستخدام فن الخطابة والكلام مع التأثير البسيط على العقل بالتفكير.
ان منطلق العمل السياسي هو المجتمع الذي تمارس فيه السياسة باحترام ثوابت وقيم المجتمع وأخلاقه وعاداته وثقافاته وتطبيق البعد الأخلاقي المتضمن في الدستور وقوانين الدولة، وهذا ما أقسم عليه أعضاء مجلس الأمة والحكومة والسياسيون كل حسب موقعه السياسي.ان اقتران السياسة بالأخلاق أمر شديد التعقيد حيث ان السياسي يهدف الى ممارسة السلطة والاستمرار بها حتى لو أتبع بعض الأساليب المخالفة للأخلاق، وهذا يتضح عند تهجم بعض السياسيين على منافسيهم وخصومهم لكسب الأضواء والتأثير على المواطنين باعطائهم الوعود الوردية غير الواقعية واستخدام مفردات وعبارات تدغدغ مشاعرهم وعواطفهم.ولهذا نرى الكثير من السياسيين تتغير مواقفهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم لتحقيق مصالحهم وأهدافهم.ان ممارسة العمل السياسي في أي مجتمع تبدأ بالسياسي وأخلاقه وقيمه ومدى التزامه بالنزاهة والشفافية وألا يخرج عن دائرة الأخلاق التي تحكم المجتمع وقوانينه من أجل اصلاح الفساد الأخلاقي.
ان التاريخ ليشهد بأنه لم يسبق للسياسة ان ابتعدت عن الأخلاق بالدرجة التي نعيشها في الوقت المعاصر حيث اختلفت المفاهيم وتداخلت الاختصاصات وانتشرت الفوضى السياسية وتهتكت منظومة الثوابت والقيم وتصدعت الديموقراطية فأصبح الفوز للأقوى والصراع لأجل البقاء واستخدمت الألفاظ والمصطلحات والعبارات الخادشة للحياء المليئة بالسب والقذف والوعيد والتهديد والعنف والمشاحنات.فأصبح السياسي المستقل الذي لا ينتمي لتيار أو تكتل أو حزب هو الضحية على الرغم من علمه واخلاصه وعمله وأخلاقه وكفاءته وولائه.لقد أصبح من يلتزم بالأخلاق في العمل السياسي فاشل سياسيا ولا يفقه بالسياسة لأنه يتعامل مع الأمور بحذر شديد ويراقب نفسه في سلوكه وعمله وتصرفاته.أما محترفي السياسة همهم الرئيسي هو الفوز والنجاح في التكتيكات والتحالفات وتضارب المواقف والتشتت في الولاءات والتذلل لتحقيق غايات وأجندات معينة لا يحكمهم معيار الأخلاق والعلاقات الانسانية والمصلحة العامة.فاذا كان ذلك مبدأ محترفي السياسة فمصير العلاقة بين السياسة والأخلاق على النقيض تماماٍ، عندها تتحلل القيم الأخلاقية والانسانية تدريجياً فلا مبادئ ولا ثقة ولا احترام.ان ما نخافه اليوم وسيواجهنا في المستقبل «الأزمة الأخلاقية» من اللذين يدعون بالديموقراطية ولا يمارسونها ولا يسعون لتثبيتها.
نحتاج الى تحليل الواقع السياسي والوقوف على نقاط الضعف وعلاجها والقوة ودعمها حتى نبني وطناً، وأن لا يُفَرَّط بالشعب والوطن لتحقيق أهداف وأجندات خاصة ومآرب أخرى، ولأجل الوطن والمواطن نحتاج الى ميثاق أخلاق في العمل السياسي فلا مستقبل لأمة الا بالأخلاق.
هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات
اذا سقيت بماء المكرماتِ
تقوم اذا تعهدها المربي
على ساق الفضيلة مثمراتِ
وكما قال حبيبنا محمد صلى الله عليه والله وسلم: «إن أَحَبَّكُمْ إلى وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقاً».
د.سلوى عبدالله الجسار
@DrSalwaAlJassar
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق