في عام 1972 ومع إطلاق فيلم «التانغو الأخير في باريس» أصدرت الجامعة العربية قرارا يومها، يقضي بعدم السماح بدخول الفيلم الى أي بلد عربي أو عرضه في اي من دور السينما فيه، والغريب أن الدول العربية التزمت بالقرار، غير أن الفيلم الذي تسبب في جدل عالمي لما احتواه من مشاهد خادشة وتسبب في محاكمة مخرجه بتهمة نشر الفاحشة، كان يدخل الدول العربية ويتداوله الشباب فيها خاصة مع بداية ثورة أشرطة الفيديو، والفيلم الذي انتج بميزانية مليون و900 ألف دولار يومها حقق إيرادات فاقت الـ 98 مليون دولار، ونجح رغم كل شيء في أن يصبح علامة فارقة في تاريخ السينما، بل وأسس لمدرسة جديدة رائدها مخرج الفيلم بيماردو بيترولوتشي، عرفت باسم التجريدية الواقعية.
أخلاقيا الفيلم ساقط بجميع المقاييس، ولكن هذا لم يمنع من أن يحقق شيئا بحمل لقب الفيلم الأكثر جدلية في تاريخ السينما العالمية، ومن المفارقات أن بطل الفيلم النجم الأسطوري مارلون براندو كان أول الرافضين للفيلم واعلن براءته منه بل وظل مخاصما للمخرج لأكثر من 20 عاما بدعوى انه قام بتشويه المشاهد وأساء لنجوميته وسمعته، والمفارقة الأكثر غرابة ان مخرجه تمت محاكمته في إيطاليا بتهمة نشر الفاحشة وحكم عليه بالسجن 4 أشهر.
والآن وبعد أكثر من 40 عاما على انتاج الفيلم، الذي منعته الجامعة العربية، ولا يزال ممنوعا من الدخول إلى جميع البلدان العربية، يمكن لأي شخص وعبر هاتفه الذكي أن يقوم بتحميله عبر اكثر من 20 موقعا عربيا متخصصة في تحميل الأقلام.
كبسة زر صغيرة، تختصر وتتجاوز منع الجامعة العربية الصادر قبل 40 عاما، وتتجاوز بل وتخترق رقابة جميع وزارات إعلام الدول العربية.
كبسة زر صغيرة، تفصلك عن أن تصل لجميع كتب الإلحاد والكفر، أيا كان حجم الرقابة المفروض عليك.
كبسة زر صغيرة، وحيلة أصغر يمكنك أن تتجاوز جميع أساليب الرقابة الرسمية، هل فهمتم؟ قانون الإعلام الموحد الذي يتكلمون عنه هو قانون تنظيمي وليس رقابيا، بمعنى انه أي قانون لتنظيم المحتوى الإلكتروني ستصدرونه هو قانون رقابي سيولد ميتا، بل سيولد بلا مسوغات تنفيذ حقيقية، وسيتم تجاوزه سريعا كما تم تجاوز منع فيلم «التانغو الأخير في باريس»، إن لم يكن اليوم فسيأتي التجاوز غدا.
المنع الرقابي لم يعد ذي جدوى، والسيطرة على الإعلام الحر المعتمد على منصات التواصل الاجتماعي هي محاولات فاشلة، كما قلت في مقالة سابقة لي هي كمحاولة ان يجمع الرجل البحر في كفيه.
مستحيل أن تتمكن أي حكومة في العالم من السيطرة على الآراء مهما علا سقفها، انتهت أسطورة السيطرة على الإعلام، وانتهت خدعة التحكم في تدفق المعلومات التي أصبحت متاحة للجميع.
فلتتوقف الحكومة عن محاولتها البائسة السخيفة للسيطرة على المحتويات الإلكترونية، ولتبادر لإصلاح أخطائها، ولنعمل على تعديل المسارات الخاطئة التي تسير فيها معظم وزاراتها.
لن تسيطروا على تدفق المعلومات، وبدلا من تلك المحاولات المستحيلة، فلتحاولوا أن تعدلوا من أخطائكم، وبدلا من أن تصرفوا الملايين لفرض الرقابة غير المجدية وغير الممكنة فلتبادروا لتعديل ما لديكم من أخطاء.
توضيح الواضح: سابقا كانت الحكومات تتحكم في تدفق المعلومات للجمهور من أجل ان تستر عيوبها، ولكن الآن لتستر عيوبها عليها أن تعالج عيوبها ذلك أن هذه هي الوسيلة الوحيدة الناجعة لمواجهة تدفق المعلومات في عصر الفضاء المفتوح.
waha2waha@hotmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق