حدثان لابد من الوقوف أمامهما، فالأول بحكم الوفاء، وهي خصلة نادرة نفتقدها في شعوبنا وولاة أمورنا وسياسيينا ومفكرينا، ولنقصر الأمر على الغزو العراقي للكويت، فأول من عارض علنا ودافع وحرض الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب)، على اتخاذ موقف حاسم تجاه الغزو العراقي، كانت هي هذه السيدة الحديدية التي سبقت بعض الدول الخليجية في إعلان رفضها الغزو! وهي مفارقة تاريخية ستظل تحكي بها الأجيال حتى وإن ألغيت من المناهج الدراسية كالغزو العراقي.
البارونة مارغريت تاتشر امرأة بألف رجل أوروبي، ومليون رجل عربي، وعفوا عدة ملايين خليجية! فمع كل هذه الأسلحة والتخمة في الصرف عليها، عجزت هذه الدول عن وقف غزو عراقي حدث علينا وكان سيصل إليهم، ولانزال بعد عشرين عاما لا نستطيع كدول خليج مجتمعة تأسيس جيش دفاع قوي تجاه مطامع من إيران أو العراق، فهل نحن بحاجة إلى امرأة مثل مارغريت تاتشر لتقود مجتمعا عجزت عن قيادته الرجال؟ وهل أصبحنا نستذكر ونترحم ونتحلطم على زمن تضيع فيه الحكمة ويوسد الأمر إلى غير أهله؟ يرحمك الله يا ماغي، فقد كان دورك أكبر من أن ينسى، ولولا قرارك وقيادتك ودعمك للشرعية الكويتية لأصبح الحال غير الحال، وعذرا لك يا ماغي فقد ابتلينا بحكومات غير وفية، تطلق أسماء كل من تعرفه على شوارعها، ولكنها تعجز أو عجزت عن تسمية طريق أو جامعة أو حتى معهد باسمك، وباسم جورج بوش الأب أو الجنرال شوارسكوف، ولا عجب في ذلك فقلة الوفاء شيمة من شيم الحكومات الكويتية، ولن أذكّر القراء بما فعلته حكومة ما بعد التحرير، حين رفضت دفع مستحقات غير الكويتيين الذين بقوا معنا فترة الغزو، وحافظوا على استمرارية الكهرباء والماء والصحة والغذاء، وكانت الحجة الحكومية بأن هؤلاء تقاضوا رواتبهم أثناء الاحتلال العراقي! حتى لجأنا إلى القضاء وأنصفنا وأنصفهم، عذرا ماغي، ولكنها كلمة حق يقولها لك مواطن كويتي يشعر بالفخر بأنه عاش في عهدك وفي زمنك، يرحمك الله وعسى أن يتغمد روحك الرحمة ومثواك الجنة إن شاء الله، ولو كره زعماء السلف والإخوان وجماعة لاهور وإخوان الروضة!
>>>
الحدث الثاني، هو محاكمة النائب السابق مسلم البراك، وما حدث من تداعيات حضرت جانبا منها في جلسة أمس الأول بحكم المهنة، واستمعت واستمتعت بمرافعة الزميل النائب السابق وليد الجري، وهي بحق كلمة يجب أن تدرس في مناهج كلية الحقوق، كمثال على الأداء الراقي والواضح، وفي اعتقادي إن ما حدث أمس يؤدي وبنسبة كبيرة إلى الحكم بالبراءة للنائب السابق مسلم البراك، ولي في هذا أدلة ثلاثة:
الأول: تناقض أقوال شاهد الإثبات أمام المحكمة في جلسة سابقة، ولاسيما بعد ثبوت إلغاء كلمة من التسجيل الخاص، ما يعني تعرض دليل مادي هو شريط الندوة للعبث، وبالتالي التشكيك في مصداقية الدليل الأساسي.
ثانيا: رفض المحكمة استدعاء شهود النفي، وهم رئيس الوزراء ومجموعة من الناشطين السياسيين والنواب السابقين، ما يعني أن المحكمة قد كونت عقيدتها بشأن القضية، وهو أمر يغنيها عن سماع شهود النفي ولاسيما إذا اتجه الحكم إلى التبرئة.
ثالثا: حجز الدعوى إلى يوم الاثنين القادم 15-4-2013 وهو موعد قريب جدا لقضية بهذا الحجم، وهذا يعطي مؤشرا على التوجه للتبرئة أكثر من الإدانة، ولاسيما أنه يكفي للمحكمة أن تتشكك في توجيه الاتهام حتى تقضي بالبراءة، وبالتالي ليست هناك أسباب أو حيثيات قانونية أو تتبع لأقوال الشهود، وهو ما يأخذ وقتا أكبر لإصدار الحكم فيما لو كان بالإدانة، وبالتالي فإن قصر فترة الحكم يساند وبقوة التوجه للحكم بالبراءة على أساس مبدأ «الشك يفسر لصالح المتهم».
إنها افتراضات قانونية بحكم المهنة، ومع ذلك لننتظر ونرى..!
>>>
للرقيب كلمة:
هناك ناس كالماء، بل هم إلى الزئبق أقرب، لا يتغيرون حين يتبوأون المناصب، ولكنهم يظهرون على حقيقتهم وهم كثر، وهم بيننا، ولولا آداب الحوار لقلنا فيهم جزءا مما قالوه في أشخاص رحلوا عن دنيانا، وليس أسوأ ممن يستشهد بالأموات إلا من يهاجمهم، وحين يقوم شخص ما كل همه إرضاء البعض على حساب البعض الآخر، بالهجوم الصحافي على المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، أو المرحوم جاسم القطامي تلميحا هو أقرب إلى التصريح، وهم لا يملكون لما يقوله دفعا ولا دحضا، هنا يقف القلم ليس خشية من أحد، ولكنه احترام للقراء أن يقول ما يقوله
ثم يقف عن ذلك.
ولا أجد أفضل من وصف هؤلاء بأنهم «شخوص مستطرقة» يأخذون شكل الإناء الذي يوضعون فيه، فهم كالماء لا لون ولا طعم لهم ولكن لهم الكثير من.. الرائحة!
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق