إذا سلمنا بان نظامنا الديموقراطي قد فقد شعبيته ومال اكثر من اللازم الى النظام الرئاسي، اذا سلمنا بهذا، فكيف الطريق لتصحيح المسار وتغليب النظام البرلماني واكساب النظام الشعبية المطلوبة من اجل اضفاء الديموقراطية والصفات الدستورية البرلمانية عليه؟
كثير من المعنيين بالشأن العام يطرح هذه الايام «الحكومة المنتخبة»، والمقصود على ما يبدو حكومة ينتخبها البرلمان او انها من اعضاء البرلمان. هذا الطرح الجزئي فيه خلل وخطل كبير، وسبب ذلك يعود، في اعتقادي، الى «النرجسية» التي تسيطر على معظم اعضاء مجلس الامة، والذين هم في الغالب ومنذ الستينات من يقود العمل الشعبي، وبالتالي هم يضفون النرجسية على مجلس الامة نفسه، فيصبح هو البديل عن الامة وهو النظام الديموقراطي برمته وليس مؤسسة من مؤسساته كما هو بالفعل. لو دققنا في العمل السياسي الكويتي لوجدنا انه منذ الاستقلال وهو يدور حول مجلس الامة، وحول حماية الدستور، وحماية الدستور مقصود بها، كما اتضح من الممارسة الفعلية، هي حماية مجلس الامة والحفاظ على صلاحياته ومهامه التي تعرضت في كثير من المناسبات الى انتقاص وهجمات السلطة. ولعل آخر ازماتنا السياسية هي ازمة مرسوم الصوت الواحد، التي هي في الواقع ازمة مجلس الامة وازمة اعضائه الذين اعتقدوا، وما زالوا، بان المرسوم اغتصب سلطة تشريع قانون الانتخاب منهم.
الحريات والحقوق العامة، التي هي اصل النظام الديموقراطي، لم تلق عناية على الاطلاق من المعنيين بالعمل السياسي هنا. بل في واقع الامر، تولت بعض المجاميع السياسية مساعدة السلطة او حتى بزها في الانتقاص من الحريات وفي التطاول على الحقوق الدستورية للافراد والعامة.
الحكومة المنتخبة، او الحكومة النيابية، ليست هي الحل على الاطلاق. في واقع الامر، وكما بينت في مقال سابق، فان مجلس الامة واغلبيته في مطلع عام 1965هو من شكل الحكومة الرابعة، او بمعنى هذه الايام انتخب الحكومة. وهي التي اصبحت بعد ذلك اضعف الحكومات الكويتية. وهي التي تعاونت مع الاغلبية المنتخبة في مجلس الامة على محاصرة الحريات ومصادرة الحقوق السياسية في التجمع والتعبير عن الرأي. مما اضطر المعارضة الوطنية الى الاستقالة من المجلس نأيا بنفسها عن المشاركة في تهميش الحقوق السياسية ونقض المواد الدستورية.
لا داعي لأن نروح بعيدا.. فالضمان الحقيقي لشعبية الحكم او برلمانيته محدد في الدستور، حيث حددت ذلك بوضوح وتفصيل المذكرة التفسيرية، التي قررت ان الرأي العام المدعوم بالحريات الفردية والعامة هو الحامي الحقيقي للدستور وللنظام الديموقراطي. ومن دون رأي عام واع وديموقراطي فاننا سنبقى محكومين بعقد الاغلبية المعادية للنظام الديموقراطي وتطرفها التي انتخبت عام 1963وأعيد انتخابها باجماع اكبر في 2012.
إن الديموقراطية حرية وعدالة ومساواة. والامة هي من يحمي هذه المبادئ. مجلس الامة سلطة، وكل سلطة تسعى الى توسيع سلطاتها وتعزيز اهميتها وحماية مواقعها. لهذا يجب عدم الركون لا لمجلس الامة ولا الى اي سلطة غير سلطة الامة.. الراعي والحامي الحقيقي للحريات وللعدالة والمساواة.
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق