خالد الجنفاوي: الحرية المُطْلَقَة فَوْضى مُطْلَقَة

يدرك العقلاء والحكماء وذوو البصيرة أنه لاتوجد حرية مطلقة, فحريتك كفرد حر ومستقل تتوقف عند حريات الاخرين. فمن يتجاوز حريته الشخصية ويتعدى على حريات الناس سواء عن طريق قذفهم باتهامات مفبركة أو تشويه سمعتهم, يتجاوز الخطوط الحمر. فلا يحق لأحدهم تشويه سمعة معارضيه في الرأي ومحاولة تبرير هذا السلوك والتصرف العدواني بأنه حرية رأي وتعبير! ومن هذا المنطلق, فالمطالبة بحرية مطلقة وبخاصة فيما يتعلق بطريقة إستعمال “حرية الرأي والتعبير” في الصحافة والاعلام المحلي لا ترسخ مجتمعاً ديمقراطياً ومدنياً تصان فيه كرامات الناس. فالنتيجة الحتمية لعدم وجود قوانين أو ضعفها أو عدم وجود إجراءات واضحة تحمي كرامة الناس وشخصياتهم من تعدي الآخرين هو شيوع الفوضى المدمرة . شخصياً, أختار بإرادتي الحرة أن أستمر أعيش في مجتمع مدني منظم يحمي حريتي الشخصية ويصون حريات المواطنين الآخرين. فالبديل لهذا السيناريو الديمقراطي المعاصر هي الفوضى.
إضافة إلى ذلك, الحرية المطلقة تعني فوضى مطلقة حيث لا يوجد حد لما يمكن أن يرتكبه بعض مرضى القلوب ضد مواطنيهم الاخرين المسالمين. فمن يدرك أنه يعيش في مجتمع قانوني تصان فيه كرامات الناس وأرواحهم يعرف جيداً أن حريته الشخصية وحريات مواطنيه ليست مطلقة أو خبط عشواء ولكنها حريات شخصية واضحة تحددها القوانين والإجراءات المنظمة والتي يرتكز عليها أي مجتمع إنساني منظم وديمقراطي وسلمي. في عالم معاصر أنهكته المنازعات والفتن العرقية والطائفية والدينية لا بد لأي حكومة على وجه هذا الكوكب أن تحرص على حماية وحدتها الوطنية. ومن هذا المنطلق, تحرص الحكومات على التأكيد أن “الحرية الشخصية ليست مطلقة ولكنها تتوقف عند حدود حرية الفرد الآخر.” فعندما تحرص أي حكومة معاصرة على حماية مواطنيها من تعدي الآخرين عليهم لفظياً أو جسدياً فهي تمارس حقها المشروع في الحفاظ على تماسك المجتمع حتى لا تتحول البيئة المحلية لغابة مظلمة تجول فيها طيور ظلام تمقت الرأي المخالف لآرائها.
وبالطبع ما هو ساذج أحياناً حول مماحكات وجدلية البعض حول حدود حرية الرأي والتعبير أن من سيتضرر لاحقاً من قذف وشتائم والاتهامات المفبركة ضده ستجده أكثر من سيطالب حكومته بالتدخل وحمايته من الآخرين ! فالحكومات مهما كان مستوى أدائها مسؤولة بشكل رئيس عن حماية مواطنيها من الفوضى والانفلات والتشكيك والتخوين. فالحرية المطلقة ترسخ الفوضى المطلقة, ولا بديل عن الاستمرار في مواءمتها مع الظروف الاجتماعية الخاصة .
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.