في العام 1998 استوقفني ضابط مرور سعودي برتبة نقيب على طريق الدمام السريع، وكنت يومها أقود سيارتي بسرعة فوق المعدل المسموح به، وقام بتحرير مخالفة مرورية لي، وأذكر أنني سألته ساخرا: «وأين سأدفع المخالفة هذه وأنا في طريقي إلى الكويت؟»، فابتسم النقيب ابتسامة أكثر سخرية والتي تشبه كثيرا ابتسامات ضباط المرور الكويتيين وهم يتلذذون بتحرير المخالفات لضحاياهم من المخالفين أمثالي، وقال لي بالحرف الواحد: «ما عليك راح تلحقك إلى الكويت.. بالعربي بتدفعها بالكويت إن شاء الله»، لم أفهم يومها جملته ولكنني قررت أن «أشتري دماغي» لذا لم أناقشه، وأخذت المخالفة ووضعتها في درج السيارة وتوجهت إلى مركز النويصيب ونسيت أمرها تماما.
بعدها بأشهر وبينما كنت أنجز معاملة تجديد دفتر سيارتي فوجئت بضابط المرور في إدارة مرور الجهراء وهو يبتسم ذات الابتسامة التي كان قد ارتكب شبيهتها ضابط المرور السعودي وقال لي: «عليك مخالفة في السعودية روح ادفعها وتعال»، يومها لم أكن أعلم أن نظام إدارات المرور الخليجية قد تم ربط أجهزتها إلكترونيا، وذلك قبل مخالفتي بعام تقريبا، وعندها علمت سر ابتسامة ضابط المرور السعودي.
الأمر لم يكن في الربط أبدا، ولم تكن مشكلتي يومها، فهي مخالفة وقمت بدفعها، ولكن ما اكتشفته من خلال تعاملي مع عدد من المخالفات المرورية في الكويت والسعودية والإمارات والبحرين لاحقا أن ضباط المرور الخليجيين يتشابهون إلى حد التطابق، وكأنهم إخوة تربوا في بيت واحد، ذات الأسلوب البارد في التعامل مع المخالفين وذات الابتسامة الساخرة التي ترتسم على وجوههم وهم يحررون لك المخالفة، فقد حصلت بعدها على مخالفة في دبي وأخرى في المنامة، وكنت في كل مرة أقوم بدفع مخالفتي الخليجية في الكويت.
قبل أسبوعين دخلت ولأول مرة في حياتي المملكة باستخدام بطاقتي المدنية الكويتية، وكان معي أكثر من 30 زميلا صحافيا كويتيا في رحلة للعمرة ودخلنا جميعنا باستخدام بطاقاتنا المدنية، وكان ذلك الاستخدام البسيط البطاقة في التنقل بين الكويت والمملكة، أمرا كبيرا جدا كما وجدته، إذ شعرت لحظتها بان الحدود الجغرافية قد تم إلغاؤها بالكامل، كما تم إلغاء حدود المخالفات المرورية قبلها بأكثر من 15 عاما.
لطالما ترنمنا، وغنينا، خليجنا واحد، ومع كل هذا التكرار للأغنية وعشرات القمم الخليجية لم أشعر قط بان خليجنا واحد، الا في سفرتي الاخيرة الى المملكة عندما انتقلت من الكويت ودخلت المدينة المنورة ببطاقتي الشخصية، وربما كان حديث ضابط المرور السعودي هو بداية خيط تلك الوحدة الكونفدرالية التي طالما تمنيناها وحلمنا بها ورغبنا بها بشدة.
إحساس جميل جدا، ان تنتقل بطائرة من الكويت إلى أي مدينة خليجية فقط باستخدام بطاقتك الشخصية، الغاء استخدام الجواز هنا هو إلغاء للحدود الجغرافية بطريقة راقية.
استخدام بطاقتك الشخصية في التنقل بين بلد خليجي وآخر، ربما يبدو أمرا بسيطا الآن، ولكنه يمنحك إحساسا بانك تنتقل من بلدك إلى بلدك، بعيدا عن أحاديث الساسة وتنظير المثقفين.
الوحدة الخليجية حلم، وتحقيقه خطوة بخطوة، وبتأن وهدوء سيؤتي ثماره بشكل يعود على الشعوب بالأفضل.
الوحدة الخليجية، أيا كان شكلها، وفي وسط المتغيرات العالمية الاخيرة والحراك المتسارع في المنطقة، لم تعد خيارا، بل أصبحت ضرورة، ويجب على اي وحدة من هذا النوع ان تنطلق من قاعدة منفعة شعوب المنطقة، لا منفعة حكوماتها فقط، ذلك فقط ان كنا نريد لها الديمومة.
كما قلت الوحدة لم تعد خيارا، بل أصبحت ضرورة ملحة ويجب ان نستشعر ضرورتها لمصلحتنا كشعوب متشابهة إلى حد التطابق، كما يتشابه ضباط مرورنا.
سيحتفظ كل بلد بخصوصيته السياسية، نعم، ولكن الوحدة الخليجية الكونفيدرالية يجب ان تتم وبأسرع وقت، أفضل لنا ولبلداننا.
waha2waha@hotmail.com
المصدر جريدة الانباء
قم بكتابة اول تعليق