التطرف… التطرف، لعن الله التطرف، فما شاب شيئاً إلا خربه، وكذلك “التنمر”، أو الإفراط في إظهار القوة في غير موقعها المطلوب وتوقيتها المناسب، وهي الحالة التي أراها شاخصة وواضحة في بنود قانون الإعلام الموحد الجديد، وكذلك توقيت تقديمه، وفيهما كثير من التطرف والتنمر من الحكومة ومن نواب مجلس الصوت الواحد، الذين رحبوا به وأعلنوا مسبقاً نيتهم التصويت له وتمريره، في سابقة ستكون مخزية، لما يتضمنه من توجهات تعتبر ردة عن دولة الحريات والديمقراطية الكويتية.
مجلس الصوت الواحد، وهي بالمناسبة تسمية تعطيه ميزة، وليس كما كان يهدف من أطلق هذه التسمية على المجلس الحالي، بقصد الانتقاص منه وإهانته، وهو لا يعلم أن هذا المصطلح يمنح البرلمان الحالي مشروعية إضافية، كونه الأقرب إلى جميع البرلمانات الديمقراطية التي تنتخب بطريقة القوة التصويتية الأحادية للناخب، بعيداً عن بدعة تعظيم القوة التصويتية للناخبين ثلاث مرات عبر التصويت لأربعة مرشحين.
وبالعودة إلى قضية التطرف والتنمر في قانون الإعلام الموحد، فإن سمة مجلس الصوت الواحد الحالي هي الاعتدال والتواضع بعد سنوات التطرف واستعراض العضلات التي عافها الناس، وكانت سمة المجالس السابقة التي تجلت عبر تشريعات متطرفة، مثل إعدام المسيء للرسول وبقية تشريعات المغالاة والتطرف التي نفرت الناس وأزعجتهم، دون أن يراجع نواب المجلس السابق أنفسهم ويتوقفوا عن تمسكهم بسلوكيات التغطرس تحت شعار الأغلبية تفعل ما تشاء.
واليوم، فإن الحكومة لديها بلاشك أغلبية، كما كانت هناك حكومات عديدة سابقة تملك في مراحل متعددة من تاريخ الحياة النيابية الكويتية أغلبية مماثلة، ولذلك فإن السلطة قادرة على تمرير قانون الإعلام الموحد المتطرف في مواده، من خلال انتقاصه من الحريات وتعظيم العقوبات والغرامات بشكل كبير على وسائل الإعلام المختلفة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها ستخسر الكثير لأنها ستمنح خصومها قضايا حقيقية لخلق جبهة شعبية متنامية ضدها، وهنا نتساءل ما الداعي لهذا القانون والمحاكم تصدر أحكاماً رادعة على مغردين وكتاب تجاوزوا في عدة مجالات مؤخراً؟ ولماذا يوضع القضاء في مواجهة خيارات صعبة بين عقوبات مبالغ فيها أو البراءة؟ ولماذا العبث بصورة الكويت التي تحتل صدارة الحريات في المنطقة في هذا التوقيت الذي تشهد فيه المنطقة تقلبات سياسية حادة وثورات وعدم استقرار؟!
الأسئلة السابقة كلها مستحقة مع الإصرار حكومياً ونيابياً على تبني هذا القانون في هذا التوقيت وبالصياغة المتطرفة للقانون، بينما الأوضاع تتجه نحو مزيد من الهدوء والاستقرار، وتصب في مصلحة السلطة شعبياً، ويتطلع الكويتيون إلى تلقف مشاريع تنموية كبرى في بيانات اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية التي تجعلهم يتخبطون، ويجدون بدلاً من ذلك مشاريع ذات صبغة استفزازية سياسية لتشعل الساحة المحلية، وتعيد شكوك الناس وتوجسهم من نوايا السلطة تجاه الحريات والديمقراطية في البلاد، وتكون نتيجتها فتح معركة كبيرة بعنوان الدفاع عن الحريات، وهو عنوان رئيسي وجدي في الوقت الراهن ومستقبلاً.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق