سمعت كثيرا عن بيت عبدالله من المحيطين بالدكتور هلال الساير، وزير الصحة السابق، الذي تقاعد بعد ثلاثة عقود من ممارسة الجراحة ونذر نفسه وجهده وكل ما لديه من طاقات للارتفاع بالمستشفى الخاص به، وفق قواعد العمل المؤسساتي الذي لا يتعثر بتوقف الأشخاص.
وكنت أتصور أن بيت عبدالله مجرد مكتب طبي عادي يقدم خدمات ضرورية مجانية بدوافع انسانية، وباندفاع من مساعي الخير التي ورثها الدكتور هلال من أسرته الخيرة.
وعندما اتسعت سمعة بيت عبدالله وصار حديث التجمعات الدواوينية، اتصلت بالدكتور هلال الساير في رجاء المساعدة لزيارة هذا البيت الذي سمعت عنه الكثير، ولم نتعرف على هويته، وبالطبع فان الدكتور المتفاني لكل مفيد، رتب لنا زيارة برفقة بعض الأصدقاء، لنتعرف على هذا البيت الساحر الموجود على ساحل الصليبيخات، بجوار وزارة الصحة، في مساحة واسعة تتعانق مع ساحل البحر الممتد الى ما بعد الدوحة، في منظر يكتنفه الهدوء ويوقظ قوى العزيمة للمزيد من الجهد والعمل.
لم أصدق ان بيت عبدالله بهذا الجمال في فنون الهندسة التي خرجت من مواهب المهندسة الكويتية الشابة علياء عبدالرحمن الغنيم، وهنا تتضح فلسفة البيت الذي جاء من ثمرات جهود الدكتور وزوجته السيدة مارجريت الساير، في عزم على مواجهة الأمراض المستعصية في الكويت، التي تقضي على مائة طفل سنويا وتعرض ألف طفل آخر لحالات الأمراض المستعصية.
جاءت عزيمة د.هلال في التصدي للحالات المستعصية التي تتغذى على الأطفال الصغار عبر بناء مستشفى مثالي يتناغم مع صفاء نفوسهم ومع براءة روحهم، لهذا جاء المستشفى من مفهوم جديد لتصميم تكيات الأطفال، يجمع بين المظاهر الثقافية والبيئة المحلية، كما يجمع بين عناصر العناية التلطيفية والمسكنة وبين أجواء الاستراحة العائلية والتسلية والتعليم.
وتم تشييد المستشفى المتخصص بأمراض الاطفال الصعبة في منطقة مشجرة بشكل جميل ومحاطة بملعب مصمم بما يتفق مع احتياجات الأطفال.
وقد منحته حكومة الكويت أرضا مساحتها عشرين ألف متر مربع من الأراضي المطلة على البحر، وقدرت تكاليف هذا المستشفى ستة ملايين وسبعمائة الف دينار «6.700.000» بالاضافة الى مليون وخمسمائة الف دينار تكليف التجهيزات والهندسة الداخلية، ويحتاج الى مليون دينار سنويا، كمصاريف تشغيل.
تجولنا في هذا المنزل الرائع الذي يضم ناديا رياضيا، ومدرسة خاصة، وملعبا خارجيا، وشاليهات صغيرة، للاطفال وعائلاتهم، وحديقة خاصة، وممشى خاصا، ومسجدا صغيرا، وغرفة ملونة اسمها Rainbow Room.
دخلت أحد الشاليهات التي تبرعت بها عائلات كويتية، ولفت نظري ان الشاليه الذي زرته شيده تبرع خاص من والدة المرحوم نوري عبدالسلام شعيب، الذي كان دبلوماسيا، آخر مسؤولياته سفيرا في الجزائر، صديقنا في الوزارة وفي الحياة.
نوري الشعيب قاوم السرطان بقوة وجسارة وكأنه على حلبة ملاكمة، لكنه ضعف في آخر الجولات، ومات شابا، حزنت عليه ولا زلت، لأنه من الصفوة النادرة في الذوق والأخلاق.
سألت د.هلال عن ضرورات الشاليهات في المستشفى، فكان رده بأن الأطفال بحاجة الى جو عائلي يسترخي فيه الطفل المريض مع أسرته، وسألته عن ساحة الألعاب، وهي ديزني لاند صغيرة للأطفال فيها مراجيح وعجلات كبيرة تدور مصممة خصيصا للأطفال مع احتياجات خاصة لتأمين سلامتهم.
في المستشفى توجد 16 غرفة لأجهزة الكمبيوتر وهناك أجنحة خاصة للأطفال الذين يتطلب بقاؤهم في المستشفى لبضعة أيام.
أخبرني د.هلال بأن الاهتمام الطبي يتركز على العلاج الاستباقي حيث تقوم دوريات طبية بزيارة الأطفال في منازلهم ولا ينقل من الأطفال الى المستشفى الى الحالات الضرورية.
قلت للدكتور هلال مستشفى بيت عبدالله تحفة معمارية لا علاقة لها بالمفهوم التقليدي للمستوصفات كيف نبعت فكرة المستشفى؟، ويروي لنا دكتور الخير والانسانية قصة عبدالله الطفل الكويتي الذي أصيب بمرض السرطان وأخذته أسرته الى لندن حيث تلقى العلاج لكن هذا العلاج فشل في القضاء على السرطان، فأخذته أسرته الى الكويت للعناية به في المنزل بدلا من المستشفيات، ومن معاناة تلك الأسرة مع غياب التسهيلات الطبية والمعالجة المنزلية، تولدت فكرة الجمعية الكويتية لرعاية الأطفال، لعلاج عبدالله وغيره من المرضى في منازلهم وباشراف فريق طبي متخصص.
دخل الطفل عبدالله تحت علاج مجموعة الأطباء في منزله لمدة ستة أشهر، لكنه استسلم للمرض ومات بين يدي والدته وهو يقترب من الخامسة من عمره.
ويستطرد د.هلال إن شجاعة الطفل عبدالله وتحمله للمرض ألهمته وآخرين لانشاء تكية لرعاية الأطفال لعلاجهم حتى يصلوا الى سن الرشد، وتخليدا لذكرى الطفل عبدالله، الذي تعامل مع الألم ببراءة الأطفال، أطلق على المستشفى «بيت عبدالله» وتحولت الفكرة الى مؤسسة عالية المستوى رائعة الطراز، يديرها فريق يحمل خبرات مدفوعا برسالة انسانية ووطنية مقنعة تحمل مشاعل التفاني بالجهد والسخاء وفي تحمل مسؤولية الوصول الى الكمال.
قلت للدكتور هلال إن المطلوب من أصدقائك التعريف بهذا الصرح ونشر المفاهيم والمبادئ التي حولت هذه الساحة الى مبنى يدعو للفخر والاعتزاز.
وسألته عن مصادر التمويل التي، كما أخبرني، تأتي من تبرعات من الخيرين من المواطنين، وكلما اتسعت معارف المستشفى من الخيرين ارتفعت الميزانية وزادت التبرعات.
قلت للدكتور عليك ان ترتب زيارات للاطلاع على هذه المفخرة الرائعة، بكل جوانبها الانسانية والفنية والزخرفية.
ويؤكد د.هلال أن العلاج مفتوح للجميع، فالأبواب مفتوحة لكل من يحتاج دون مقابل.
ولأن ما شاهدته هو لوحة رائعة من تصميم مونيه- الفنان الفرنسي المبدع، كنت أتابع كلمات د.هلال وبافتخار لانه يضيف الى سجل البارزين المساهمين في رحلة الخير الكويتية الانسانية مثل الدكتور عبدالرحمن السميط، المبعوث الكويتي الانساني الى البيئة الأفريقية حيث سخر كل ما يملك وكل ما حوله وانتقل الى القارة الصعبة، ليعيش مع أهلها متفاعلا مع آلامهم كطبيب أهدى حياته لهم.
هذه المساهمات الكويتية الانسانية تصب في خزان رصيد الكويت في المسار الأمني الناعم، فمهما شيدت الكويت من قوى خشنة تؤمن حياتها، تظل أسيرة تقاليدها ونشأتها وتاريخها، كل هذه العناصر أسست قاعدة العمل الخيري الكويتي، الذي تعتبره الدولة اسهاما هاما في دبلوماسية البقاء.
وكل أملي في أن يعزز هذا المقال من استجابة اهل الكويت للدعوة التي يحملها د.هلال الساير الى الجميع للتعرف على بيت عبدالله، والتفاعل مع رسالته الانسانية العالية.
بقلم: عبدالله بشارة
رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق