ناصر العبدلي: نيلسون مانديلا

هناك ما يلفت الانتباه في الساحة السياسية المحلية، وهو ابتذال كل شيء، ففي مرحلة من المراحل رفعت الحكومة شعار تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري، بعد أن عبر سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عن رغبته في أن يجسد على أرض الواقع، لكن الثقافة المحلية أودت بتلك الرغبة إلى غياهب الابتذال وأصبح الشعار مع مرور الوقت مادة للتندر والسخرية، وللأسف فوتوا على البلاد فرصة تاريخية.
حتى التنظيمات السياسية نالها جزء من هذا الابتذال، فمنذ الستينيات وحتى عام 96 كانت هناك تيارات سياسية تتسيد الساحة، وهي تعبير حقيقي عن المكونات الاجتماعية ليس في الساحة المحلية فقط بل في العالمين العربي والإسلامي، وهي التيارات الدينية بتصنيفاتها السنية والشيعية، بالإضافة إلى التيار الليبرالي والديمقراطي، وفجأة دون مقدمات أصبحت التنظيمات السياسية تنمو في مجتمعنا كما «الفقع» وبعضها يثير السخرية.
الابتذال لم يتوقف عند حد الشعارات الاقتصادية والتنظيمات السياسية، بل تجاوزها إلى مفهوم المعارضة، فبعدما كانت لدينا معارضة نهج ومسارات ظهرت لنا مفاهيم جديدة وحشرت حشرا تحت يافطة المعارضة، مثل وضع القبائل في مواجهة «الحضر» بتكوينيه السني والشيعي، على أساس أن تلك هي المعارضة وهو أمر يخالف الواقع السياسي، على اعتبار أن المعارضة هي ضد من بيده السلطة محاولة لترشيدها وليس مصادرتها.
الابتذال أيضا تناول مفردات تاريخية، مثل مفردة «الأحرار» ومفردة «رمز وطني»، وهي مفردات تعبر عن حالة تاريخية تتطلب أن يكون هناك صراع حقيقي بين طرف وآخر على مفاهيم إنسانية وليس على مصالح شخصية أو فردية، أو حتى على حساب المال العام، للدرجة التي وصف بمثل تلك المفردات من تحيط بهم الشبهات من كل جانب، سواء على صعيد مخالفة القانون أو حتى في بعض الجوانب الأخلاقية.
نيلسون مانديلا ظل في السجن ما يقارب الأربعين عاما وخصمه لم يكن نظاما عاديا، بل نظام عنصري بغيض سحق عظام معارضيه من السود، وهم سكان جنوب أفريقيا الأصليون، ومع ذلك عندما خرج أو أخرج من السجن من خلال الضغط الدولي أثبت فعلا أن المعارضة ومهما كانت شراسة الطرف المقابل ليست في حقيقتها سوى درس ومثال على احترام القانون وتقديره، وقد عبر عن تلك الطبيعة خير تعبير مناضل بحجم مانديلا.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.