الحديث عن الإصلاح السياسي عادة ما ينطلق من الرغبة في القضاء على مظاهر وأسباب عدم الاستقرار السياسي، لذا فإن الحديث عنه لابد أن يشخص بدقة سلبيات المرحلة قبل أن يقفز إلى وضع الحلول.
وكعادتهم في التعامل مع أية قضية خلافية، ينقسم الناس إلى فريقين: فريق يوجّه اللوم إلى الحكومة ويحمّلها مسؤولية عدم الاستقرار السياسي وغياب التنمية، وفريق يوجّه اللوم إلى المجلس وبعض القوى السياسية الممثلة فيه ويحمّلهم مسؤولية إعاقة الإنجاز الحكومي وتوتير الأجواء بخلق المشاحنات وتعزيز الخلافات.
الفريق الأول يعتقد أن الخلاص يكمن في تقويض صلاحيات السلطة وتعزيز المشاركة الشعبية عن طريق الحكومة المنتخبة والإمارة الدستورية (دون تحديد دقيق وواضح لكيفية تحقيق ذلك). أما الفريق الآخر فيعتقد أن الخلاص يكمن في استبعاد البعض عن الكرسي النيابي، والسعي إلى عدم وصول أغلبية معارضة وتشتيتها بمرسوم الصوت الواحد، كي يهنأ الجميع بأجواء سياسية هادئة وتنطلق عجلة الإنجاز، وأنا أرى أن كلا الفريقين مخطئ ويعبر عن قصور في فهم الواقع السياسي وتشخيص سلبياته، سواء عن قصد أو دون قصد.
إن عدم الاستقرار السياسي وسوء الممارسة السياسية ظاهرة تتحملها كل الأطراف التي لها علاقة بالشأن السياسي، ألا وهي السلطة التنفيذية، وأسرة الحكم لكونها لاعباً رئيسياً في تشكيل وإدارة السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والمواطن الكويتي لأنه الفاعل الرئيسي في العملية السياسية.
أي حديث عن الإصلاح السياسي وأي مشروع يقدم في هذا المجال لابد أن يمس جميع الأطراف، لكونهم شركاء في المسؤولية، أما التركيز على سلبيات طرف وغض النظر عن أطراف أخرى، والحديث عن إصلاح طرف دون الآخر، فإن ذلك كمن يطلق بالونات في الهواء تختفي دون جدوى.
وأيضاً الحديث عن الإصلاح السياسي لابد أن يرتكز على قيم أخلاقية وسياسية من الضروري مراعاتها، وعلى رأسها قيمة الاختلاف وقيمة المسؤولية السياسية.
قد نتفق أو نختلف على التفاصيل وعلى المطالب، إلا أن وجود مساحة للاختلاف متوجة بإرادة الإنجاز يعد صمام الأمان ومفتاح النجاح لأي مبادرة للإصلاح السياسي، وبدون أي منهما تتحول الديمقراطية من مشروع للتطور والازدهار إلى معركة تكسير عظم، ووسيلة فرقة وشتات.
وأخيراً نقول إن من كان طرفاً في النزاع السياسي، سواء من خلال موقعه في السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية أو أسرة الحكم سنوات طوال، فهو بالتأكيد لن يكون جزءاً من الحل.
من ساهم لسنوات طوال في صناعة المشهد السياسي السلبي فلن يقود عملية إصلاحه، فالإصلاح السياسي يتطلب التضحية بالكراسي على اختلاف مواقعها… فهل من مستجيب؟!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق