يوسف العنيزي: حديث الذكريات V.V.I.P.

أكتب هذه الصفحة من الذكريات وأنا لست على يقين إن كانت ستنشر أم لا، أو إن كان لي حق في كتابتها… ولكن بعد تفكير توصلت إلى أنها أحداث قد مرت وتجاوزها الزمن وغدت حديثاً للذكريات، وإن كانت لا تزال عالقة بالذهن بكل تفاصيلها، خصوصاً أنها تتعلق بقائد حباه الله بحكمة وحنكة سياسية أهلته لتولي عمادة السلك الدبلوماسي العالمي على مدى ربع قرن من الزمن إضافة إلى سعة الصدر وابتسامة تأسر محدثه… هذا ولسموه “دالة” عليّ شخصياً لن أنساها مدى العمر.
في الفترة ما بين عامي 1980- 1984 عملت بسفارة دولة الكويت في اليونان بدرجة مستشار وكان يتولى رئاسة البعثة في الفترة الأولى الأخ السفير محمد سالم البلهان وفي الفترة الثانية الأخ السفير صالح المحمد رحمه الله. في بداية صيف عام 1983 ولا أذكر بالتحديد التاريخ، وفي إحدى الأمسيات وعندما كنت على وشك
مغادرة منزلي في أثينا “رن” الهاتف رفعت السماعة ودار هذا الحوار القصير… “يالله العنيزي وينك؟”.
لم يكن الصوت غريباً عليّ ولكن زيادة في التأكيد سألت محدثي
– من يتكلم؟
– الشيخ صباح
لم أستوعب الموقف بعد، فالاتصال يتم من داخل أثينا ولم يكن لدينا برقية أو مذكرة أو اتصال يفيد بوصول سموه إلى اليونان، وكان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية… أعدت السؤال:
– عفواً من يتكلم؟
– إيش فيك يالله تعال بسرعة أنا في مطار أثينا.
– أبشر طال عمرك.
قفلت الهاتف وجلست بذهول، سألتني زوجتي عن المتصل فأخبرتها بأنه الشيخ صباح الأحمد وهو في مطار أثينا وليس لدينا أي علم بوصوله. حاولت بعد ذلك الاتصال بالسفير محمد البلهان فلم أتمكن من ذلك، ولم يكن الهاتف النقال قد انتشر بعد. ركبت سيارتي الخاصة المتواضعة ومررت على أحد الموظفين المحليين
وتوجهت إلى المطار بسرعة فائقة في شوارع أثينا المشهورة بالازدحام خصوصاً في فترات المساء.
ذهبت مباشرة إلى صالة التشريفات حيث وجدت سموه فقمت بالسلام عليه، وكان برفقته الشيخة نعيمة الأحمد وبعض أحفاده حفظهم الله، وقد علمت من سموه أنه في طريق العودة من لندن إلى الكويت تعطل أحد محركات الطائرة مما اضطر قائدها لطلب الهبوط الاضطراري في مطار أثينا، وتم طلب طائرة أخرى خاصة ستصل لاحقاً من الكويت، وعليه فقد طلب الذهاب إلى سكن رئيس البعثة للاستراحة، ونظراً للازدحام الشديد في شوارع أثينا فقد اقترحت الذهاب إلى فندق “إستير بالاس” الذي يبعد حوالي عشر دقائق من المطار، وعليه فقد ذهبنا إلى الفندق، وكم كان سروري كبيرا حيث تشرفت بركوب سموه معي في سيارتي الخاصة المتواضعة.
في الفندق تم حجز جناحين كما قمنا بطلب تشكيلة من المأكولات البحرية والروبيان المشوي، وجلسنا في البلكونة المقابلة للبحر، وكان الجو غاية في الروعة مما أدى إلى إشاعة الهدوء في النفوس.
وقد أبلغني سموه بأن اليوم لم يكن سعيداً منذ بدايته، فقد تعرض لحادث مروري بعد خروجه من المنزل في الكويت، وبعد خروجه من مطار لندن تعرض أيضاً لحادث مروري، والآن حادث تعطل محرك الطائرة… حمدت الله على سلامته والحافظ الله سبحانه، بعد ذلك أخلد الجميع للنوم والراحة، بينما قمت أنا والأخ الفاضل جورج شمعون مدير مكتب الخطوط الجوية الكويتية في أثينا في ذلك الوقت بالانتظار في صالة الاستقبال في الفندق لحين وصول الطائرة الأخرى التي وصلت في حوالي الساعة الثالثة فجراً من الكويت، وعليه فقد تم إيقاظ الجميع حيث بدا عليهم التعب والإرهاق وبعد ما يقارب نصف ساعة غادرت الطائرة مطار أثينا، حيث وصلت بحمد الله إلى مطار الكويت حوالي الساعة السابعة صباحاً الذي غص بكبار المسؤولين بالدولة، وذلك للاطمئنان على سموه وتهنئته بسلامة الوصول.
في أثناء وجودنا في المطار ثم في الفندق تحول منزلي في أثينا إلى خلية نحل، حيث توالت الاتصالات التي لم تنقطع من كل هيئات الدولة وأركانها وذلك للاطمئنان على سموه، وقد قامت “أم عبدالله” بالرد على هذا الكم الهائل من الاتصالات.
بودي هنا أن أقدم خالص اعتذاري لسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه إن كنت قد أعدت شريطاً من الذكريات التي لم تكن سارة، لكن مواجهة الخطوب من سجايا القادة الذين ألقى القدر على أكتافهم مسؤولية قيادة شعوبهم وأوطانهم.
ومازلنا نتذكر أثناء انعقاد مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية في مدينة جدة أثناء فترة الغزو والاحتلال العراقي الغاشم، حيث كنا نستمد من سموه القوة ورباطة الجأش لمواجهة عدو استخدم كل الأساليب من أجل طمس بلادنا وسرقة كرامتنا وعزة وطننا، لكن كانت الكويت وأهلها عصية على ذلك العدو، فتم بعون الله سحقه وتحويل جيشه وآلته الحربية إلى أكوام من “السكراب”، وكان لبعثاتنا الدبلوماسية وأعضائها دورٌ في معركة الكرامة والتحرير، وعاد النور إلى بلد النهار.
دعاؤنا إلى الله أن يحفظ سموكم ذخراً وسنداً للكويت وأهلها وأن يحفظ الله الكويت وأهلها من كل سوء أو مكروه.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.