“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”(الحجرات 13 ).
تشير “الفزعة” في سياقها العربي التقليدي إلى إغاثة ونصرة تحدث في البيئة الانسانية التي ينتمي إليها الإنسان روحاً وجسداً. ولكن في عالمنا المعاصر حيث أصبح المجتمع الوطني حاوياً للتجارب الانسانية المختلفة ولفئات وشرائح متنوعة من الناس, أصبح الولاء والانتماء والنصرة المشروعة تدور حول إظهار الولاء لهوية وطنية مشتركة ومجتمع متوحد يحوي مختلف الأعراق والديانات والمذاهب وطرق التفكير المتنوعة. ومن هذا المنطلق, يستقي الانسان السوي والمواطن المتمدن هويته الشخصية من البيئة الوطنية التي ولد ونشأ وتربى فيها. فهو يتشارك مع أبناء وطنه الآخرين- وليس فقط أبناء قبيلته أو طائفته- في ثوابت ومبادئ وطنية وأخلاقية أكثر شمولية من الانتماءات القبلية والطائفية الفرعية, وتعكس تجاربهم الوطنية المشتركة. الفزعة والنصرة والمؤازرة تصبح مشروعة فقط, بل ومنطقية ومتوقعة أيضاً عندما تكون فزعة وطنية متجردة من المصالح الشخصية وبريئة من النعرات العرقية أو الاصطفافات المذهبية وتهدف الى الحفاظ على تماسك المجتمع والدفاع عن الثوابت الوطنية الكويتية.
إضافة إلى ذلك, من المفترض أن تصبح الثوابت المشتركة والموروث الثقافي الكويتي الوطني هي المنطلقات الأساسية التي تؤصل تعامل الفرد مع مجتمعه. بمعنى آخر, ما يشكل الهوية الوطنية للفرد في مجتمعه وما يترسخ في قلبه وعقله هو ما تلقاه من تربية أسرية وتعليم وتثقيف وطني يرتفع خلالها شأن المجتمع الوطني على ما دونه من انتماءات طبيعية. فما يُؤصِّل الهوية الوطنية بل وما يشكل طرق التفكير الشخصية هي ما نشأ عليه الأفراد في صغرهم من عادات وتقاليد كويتية مشتركة وما مارسوه في كبرهم من تصرفات وسلوكيات إيجابية يتفق على مشروعيتها الاخلاقية جميع الكويتيين. فإذا تعود الفرد منذ صغره على إعلاء شأن الانتماء الوطني الكويتي, فسيصبح لاحقاً مواطناً يتمتع بعلاقة طبيعية وشديدة الخصوصية مع مجتمعه الوطني, يفرح لفرح وطنه الكويت ويحزن لحزنها ويستثير مشاعره حسه الوطني الكويتي, فقط لا غير.
كل الناس لهم الحق بالفخر بإنتماءاتهم الطبيعية. ولكن ليس من المفترض أن تطغى أهمية هذه الانتماءات العرقية والمذهبية والثقافية على الحس الوطني والهوية الوطنية. فلا يصح مثلاً محاولة إعلاء شأن الانتماء العرقي والمذهبي والديني على الانتماء الوطني, فلا يوجد مشروعية أخلاقية في محاولة ترسيخ التفرقة والتفاضل العرقي على حساب الوحدة الوطنية.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق