تاريخياً خاضت الشعوب المختلفة صراعات مريرة ضد السلطة لنيل حرياتها المدنية والاجتماعية والسياسية، لأن الحرية يقصد بها حماية الفرد من طغيان الحكام السياسيين الذين تعارضت سياساتهم مع مصالح الشعوب، لذا فالسعي نحو الحرية كان يعني السعي إلى تقييد سلطة الحاكم.
انتصرت شعوب كثيرة لمفهوم الحرية بإقرار الحقوق والحريات السياسية والمدنية، ووضع ضوابط دستورية على سلطة الحكام سواء بالرضا أو عن طريق الثورات.
ومع انتشار الأنظمة الديمقراطية تعززت فكرة حكم الشعب وإرادته كبديل للحكم المطلق وطغيان الحكام، إلى أن ظهرت صورة أخرى من صور الطغيان، وهي محاولة جزء من الشعب كبت عدد من أفراده وإجبارهم على تبني مواقف وآراء الأغلبية السائدة، وهذا ما يسمى طغيان الأغلبية، والأغلبية قد لا تمثل بالضرورة الأكثر عدداً، بل قد تكون الأكثر نفوذاً، أو الأنشط سياسياً، أو الأعلى صوتاً. والمجتمع هنا يصبح طاغية ضد أعضائه، والطغيان الاجتماعي قد يكون أشد قسوة من الاضطهاد السياسي الذي تمارسه السلطة، إذ يمارس المجتمع أو الأغلبية فيه الطغيان على الأفراد عن طريق إجبارهم على التكيف مع النموذج الذي يعده البعض، ما يعوق محاولة الأفراد تكوين شخصيتهم الفردية التي قد لا تنسجم مع قناعات الأغلبية، وذلك بداعي تحقيق مصلحة الفرد وحمايته من نفسه.
تحدد الأغلبية قواعد السلوك المقبولة وتفرض حتى مشاعرها تجاه قضايا معينة على الأفراد، ويترجم الطغيان إلى تشريعات فيأخذ طابع الشرعية القانونية، وغالباً ما يتجاهل المطالبون بالحرية أنها لابد أن تضمن للفرد السيطرة الكاملة على نفسه وبدنه وعقله.
سياسياً، تتسابق مجاميع متعددة في الكويت للحصول على الأغلبية البرلمانية كي تمارس الطغيان على الأفراد، سواء كانت حكومية أم معارضة للحكومة، فإن الأغلبية في المجالس المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة مارست الاستبداد ضد خصومها، والأمثلة كثيرة منها: المطالبات بمنع مفكرين من دخول البلاد، وإلغاء الندوات، ومنع الحفلات الغنائية، وضوابط الرياضة النسائية، وقانون المتشبهين بالنساء، وقانون الجنسية الذي يمنع غير المسلمين من التجنيس، وقانون فصل الاختلاط بالجامعات، وقانون إعدام المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، والرقابة على الكتب، وإلغاء معارض لفنانين.
في نفوس البعض يتربع طاغية يؤمن بأنه يملك الحقيقة، لذا فطاعته واجبة ونقده مجرّم، يطالب باحترام الحريات، لكنه يفصلها على مزاجه، ومتى ما تمكن فلن يتوانى عن ممارسة البطش والتنكيل. أمثال هؤلاء أينما كانت مواقعهم يجب ألا يقودوا أي عملية إصلاحية، لأنهم سيكرسون الطغيان.
حارب الطاغية الذي بداخلك، لأننا لن نستبدل طغاة بآخرين أسوأ منهم.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق