ما قاله وزير خارجية نظام صدام حسين، السيد طارق عزيز، بخصوص دور السفيرة الامريكية في بغداد، سنة 1990، لطمة أليمة، لعلها تكون «مفيقة».. للكثير من الاعلاميين والمثقفين العرب! حول الجدل الكبير الذي أثير بعد لقاء صدام حسين مع السفيرة الامريكية في العراق قبل الغزو بأيام، كما جاء في صحيفة القبس التي تعرض لقاءات الوزير السابق مع قناة «العربية»، جاء في الصحيفة: «قال عزيز ان غلاسبي جاءت الى صدام وخرجت منه ولم تتكلم في شيء». وشدّد الوزير «علي أن غلاسبي لم تُحرِّض صدام على دخول الكويت». وأضاف: «كدبلوماسي لا أستطيع اتهامها بالتحريض، وإنصافاً للتاريخ لم تفعل ذلك. لقد قالت كلاماً ايجابياً، كما انها لم تحذرنا، بل ودّعتني وذهبت في إجازة». وجاء في الصحيفة عن مقابلة طارق عزيز: «ويعتقد وزير خارجية النظام السابق بان الولايات المتحدة اتخذت قرارها وموقفها من العراق منذ يناير 1990» واضاف: «أمريكا كان موقفها عدائياً، وعلاقتنا معها حتى عام قبل دخول الكويت كانت لا بأس بها وجيدة ». (20/4/2013). آراء الوزير طارق عزيز حول دور السفيرة الامريكية «غلاسبي» هي نفسها التي طرحها الوزير عزيز للصحافي والكاتب الامريكي «ملتون فيورست» والتي اوردها في كتابه «القلاع الترابية» Sandcastles الصادر عام 1994، عندما زار «فيورست» بغداد في ابريل 1991، بعد انتهاء تحرير الكويت بأشهر، ووصل الى العاصمة العراقية بسيارة اجرة من عمان بالاردن. وقد تحدثت عن هذا الصحافي ولقائه مع عزيز في عدة مقالات، ولكن لا احد يأبه!
كان الصحافي الامريكي قد سمع الكثير عن «المؤامرة الامريكية» في العواصم العربية التي تجول فيها، واجماع معظم المثقفين والاعلاميين على غزو الكويت. وحين قابل الصحافي «فيورست» الوزير عزيز، يقول في كتابه: «عندما سألت عزيز كيف يفسر لقاء صدام مع جلاسبي، الذي حضره هو كذلك، تبنى وجهة نظر مستقلة detached. لم يدّعِ ان العراق كانت مخدوعة باي شكل حول النوايا الامريكية. وقال: «بما انني كنت وزير الخارجية، فاني افهم عمل السفير، وانني اعتقد ان تصرف الآنسة جلاسبي كان صحيحاً، اذا كانت قد استدعيت فجأة، وكان الرئيس –صدام – يريد ابلاغها ان الوضع اخذ بالتدهور، وان حكومتنا لن تتخلى عن خياراتها – تجاه الكويت – كما اراد ان يضيف ان العراق لم تكن معادية للولايات المتحدة».
واضاف طارق عزيز في تلك المقابلة مع الصحافي الامريكي يقول: «نحن نعلم انها كانت تتصرف بموجب التعليمات المتوافرة available instructions، وقد تحدث – اي السفيرة – بلغة دبلوماسية عمومية او غامضة vague، وكنا نعرف وضعها».
ويضيف طارق عزيز: «تصرفها كان استجابة دبلوماسية نموذجية diplomatic response، ولم نكن متأثرين به we were not influenced by it، اما قرار غزو الكويت فقد صدر فقط بعد انهيار المباحثات الكويتية العراقية في جدة في الاول من اغسطس». (ص 343 – 344).
صحيفة «الحياة» اللندنية اجرت لقاء مع السفيرة الامريكية بعد اعوام ونشرها على حلقتين يومي 15 و 16 مارس 2008.
في هذه المقابلة المطولة، اكدت السفيرة ان الصيغة الواسعة التداول لكلامها، والتي نُشرت في كل مكان، من فبركة وزير خارجية النظام السيد طارق عزيز، والتي جاء فيها، كما زعم عزيز، انها قالت لصدام: «ان الحكومة الامريكية لا تتدخل في الخلافات الحدودية بين دولتين عربيتين». هذه الصيغة، قالت السيدة غلاسبي، «من اختراع طارق عزيز، المعروف عنه انه سيد الكلام بصفته وزير اعلام سابقاً ورئيس تحرير لصحيفة، والمؤكد انني لم اعط صدام اي فكرة من نوع اننا لن نتدخل في خلاف حدودي، بل ما قلته هو انه ينبغي الا يتدخل في الكويت ولا في اي مكان آخر. ثم قطع اللقاء»! وسبب انقطاع الحديث، تضيف السفيرة، ان صدام حسين «وقف بأدب بعد دخول احد الاشخاص، وقال: ارجو المعذرة، لذي اتصال مهم، فجلسنا جميعاً ننتظر عودته، وعاد ليقول لنا ان الرئيس المصري حسني مبارك اتصل به، وانه ابلغ مبارك ان عليه ألاّ يقلق، وان ليس هناك مشكلة، وانه يتعامل مع الامور من دون اثارة المشاكل، وكل شيء سيكون على ما يرام».
ونقف ثالثاً مع التحقيقات التي اجراها الامريكيون مع صدام حسين ونشرتها الشرق الاوسط في حلقات، وبخاصة جلسة الاستجواب التاسعة 24/2/2004 في هذه الجلسات قال صدام بانه عُقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة قبل غزو الكويت، تم اتخاذ القرار النهائي بغزو الكويت على اساس ان «الهجوم خير وسيلة للدفاع». وقد برر صدام الغزو كذلك بناء على «الحقائق التاريخية». وقال عن قادة الكويت انهم «خائنون» للعراق والكويت وكل الدول العربية وقال صدام بان الكويت تستحق «عشر ضربات، وقال ان اعلان الكويت كمحافظة رقم 19 كان مستحقاً ومنطقياً، (الشرق الاوسط 6/7/2009) وفي جلسة اخرى قال صدام انه هو الذي وضع خطة الغزو، ولان الكويت جغرافيا «هي في الاساس ارض مفتوحة، فأي شخص لديه خبرة عسكرية يستطيع ان يضع خطة غزو عسكرية فعالة» (7/7/2009) ما يلفت النظر، ان الرئيس صدام لم يشر على الاطلاق الى اي دور تآمري او تشجيع على غزو الكويت، من قبل السفيرة الامريكية في بغداد، ومقابلتها الشهيرة معه بحضور طارق عزيز.
ولم يعترف كما اشرنا بانه وضع شخصياً خطة الغزو، بل اضاف كذلك «ان ذلك الغزو اكتمل خلال ساعتين ونصف الساعة.. وكان يجب الا يستغرق الامر اكثر من ساعة.. نظراً لمساندة الشعب الكويتي للغزو»!
والآن، هل سيعيد الاعلاميون والمثقفون والكتاب والمؤرخون العرب النظر في احداث اغسطس 1990؟ لا ندري!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق