خمسون عاماً من العمل السياسي، ومن خلال دستور 1962، وتجربة ثرية في الصراع السياسي والبرلماني، ودائماً ما كان «حلم الديموقراطية» وتطبيق الدستور وفلسفته العظيمة والكبرى في القدرة على «المحاسبة» و«الرقابة»، مع مراعاة تمثيل سيادة الأمة، والحقوق الاجتماعية المنصوص عليها في المادتين 27 و 41 من الدستور، ومراعاة الجوانب الإنسانية وكرامات الناس، وفقاً لآليات يحددها القانون.
خمسون عاماً، رغم التطور العمراني والتوسع وزيادة عدد الخريجين والتعليم، تتغير الثقافة السائدة في المجتمع الكويتي، ليصبح البعض من التافهين والفارغين «أبطالاً»، ويصبح من يشتم ويتطاول على كرامات الناس «مشهوراً»، وتتسابق وسائل الإعلام للتسويق لهم، ومواقع التواصل الاجتماعي. الجو العام، وثقافة الحوار والاختلاف تتغير، وينعكس هذا على المجتمع، وينسى بعضنا أننا مهما اختلفنا يجب أن نحترم آدميتنا وإنسانيتنا، وأن يتم التصدي لهذه الشخصيات الفارغة التي أصبح دورها محدداً في التعرض للناس وسمعتهم، بلا دليل، واستخدام عبارات شائنة لا تستخدم في الشارع.
وهبطت ثقافتنا إلى التطاول برفع الأحذية والتفل والضرب بالعقل والبصق، ووصل الأمر إلى قاعة عبدالله السالم، وبدا للمتابع أن المجلس يحتاج إلى مصارعين، بدلاً من أصحاب الفكر والخبرة السياسية.
وفي هذا الخضم، غابت القوى المجتمعية الخيرة التي توقف هذه الثقافة، فاكتفت إما بالصمت السلبي، وإما بمسايرة هذه الثقافة الجديدة، وترك أصحاب الإثارة وتعبئتهم لضرب البعض بالكل، أو الكل بالكل، وصارت ضريبة النجاح للمجلس التطاول على الناس والسباب والإثارة، ولو تكلف ذلك افتعال الحرائق وإثارة النعرات القبلية والطائفية البغيضة والتصادم مع الجهات الأمنية والقضائية.
مجلس الأمة وُجد وأنشئ ليكون بيت الشعب والأمة وممثل إرادة الناس وكرامتهم وحقوقهم، ويتطلب رجالاً ونساء على قدر من المسؤولية والتحمل وسعة الصدر والأفق، وليس مجلساً لـ«المصارعة»، هذا ما نعرفه ونؤمن به وسندافع عنه.
د. محمد عبدالله العبدالجادر
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق