في البداية قالوا لنا كذبا -ولم يزل بعضهم يقول- إننا شعب ذو طبيعة متجانسة, وأننا كتلة متماسكة لا تقبل التجزئة, فصدقناهم ¯ فغنينا عن مفهوم “الوحدة” وأطلنا الغناء, معتقدين أن الوحدة هي الخير الذي طالما اننا تمسكنا به لن نهلك, ولم يقولوا لنا إن الولايات المتحدة الأميركية على تنوع ديموغرافية سكانها وعلى اختلاف أصولهم وأعراقهم ومعتقداتهم وممارساتهم الجنسية, استطاعوا أن يسبقوا أكبر الدول ادعاء بتجانسها و افتخارا بوحدتها وهي روسيا, فسبقوا روسيا ليس في العلم وطلبه, ولا في التطور كعملية مستمرة, ولا في التقدم بالإنماء, وإنما سبقوها بما هو أهم من هذا كله إن لم يكن الأهم على الإطلاق, سبقوها في “البقاء”.
ثم قالوا لنا بعد أن انكشف لنا “اختلافنا” و أطاح بالغطاء عن “خلافنا” إننا ربما لا نكون متجانسين لكننا على الأقل منسجمون ونسعى ¯ وهي أعظم كذبة- إلى تحمل الأطراف الأخرى, و هي الكلمة السمجة ” Tolerance” التي استلفناها من الأميركيين, ولم نرد لهم دين السلف فيها بعد, فلم نفهم معناها, و لم ندرك أبعادها ولا استطعنا في يوم أن نطبقها.
فما معنى أن نحتمل بعضنا بعضا أو أن نتقبل بعضنا بعضا? وهل طبقت اميركا مفهوم الاحتمال Toleranceعلى مواطنيها, ففرضت عليهم أن يحملوا ضغينتهم لبعضهم بعضا, ولكن على مهل, مخافة أن تنكسر الضغينة يوما, أو تنفجر في وجه حاملها? المصطلح أقل ما يقال عنه أنه سطحي وجاهل لأثر اللغة في مستخدميها, فإذا كان مفهوم الاحتمال هو الذي نتبناه, وإذا كنا نرى أن تبايننا عبارة عن حمل وجب علينا حمله فيجب أن نرى ما هو أبعد ونتصور حين يحين الوقت الذي تضع كل ذات حمل حملها, حينها كيف ستقوم لنا قائمة? كيف سنتقبل ما لا تستطع أنفسنا حمله? كيف هي حال الكويت بالكويتيين إذا ما آنت اللحظة التي أصبحت فيها الانتماءات القبلية والعرقية والطائفية والميول الجنسية أثقل في تنوعها واختلافها من أن نحملها? سيكون الحل الحتمي أن نرمي الحمل على من حملنا إياه ونصطدم.
كان الأجدر بنا أن نسعى إلى “التعايش” كمفهوم ينمو في روح مفهوم آخر أكبر منه و هو “القبول”, أن نقبل من يشاركنا العيش على أرض تؤمن العيش لكل من أراد أن يعيش بإنتاجية و فعالية, أن نقبل بإنسان آخر إيمانا بحقه في العيش بكرامة لهو أكبر و أعمق و أدوم من أن نقبل الآخر بشروط نضعها أو يضعونها بما تناسب معهم, الإجابة والخلاص بوطن يرفض أن يتجانس لأن الطبيعة ¯ بطبيعتها- لا تجانس فيها, فالإجابة بحسب قانون الطبيعة تكون في أن نقبل الإنسان ونعطه قدر حقه رغم شكله ولونه ونوعه ودينه وعرقه, ونترك التغني بمفهوم الوطنية الساذج الذي يقصر الكويت على الكويتيين وكأن الآخر لا حق له أن ينعم بها ولا أن يهنأ فيها رغم حقه في ذلك.
أفضل الحلول والذي استطاعت الولايات المتحدة من أن تطبقه يكمن في التالي:
لست ملزما أن “تتقبل” أو “تحتمل” الآخر المغاير لك, لكنك ملزم أن تقبل أن تعيش معه تحت سلطة قانون يحكم علاقتك به و علاقته بك, و متى ما تعدى أحدكما على حق الآخر في العيش, كان القانون هو المقرر و المخلص للحقوق.
وبعدها فليغن من أراد عن ترابها وهوائها وسمائها وبحرها وبرها, فبلا حقوق مضمونة, وبلا قانون مكفول التطبيق, سيكون غناؤكم عن فسحة أو واحة لا عن أرض و وطن.
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق