قبل حزيران 1971، وعندما كانت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، رغب نفر من الكويتيين وغيرهم من العرب في شراء بعض الأراضي والفلل في رام الله وطول كرم ونابلس والقدس، وغزة للاصطياف.. وبعد سقوط الضفة عام 1967 لم يتمكّن أصحاب تلك العقارات من الزيارة والاستفادة من أملاكهم بشكل أو بآخر، وربما كان الصمت سيد الموقف، حتى لا تعد تلك الأملاك ضمن ما سنته إسرائيل بمصادرة أملاك الغائبين، ومضى زمن طويل وصمت مطبق حال دون استرداد الحقوق الشرعية الى أصحابها.. إلى أن جاءت السلطة الوطنية الفلسطينية وبدأ موضوع أملاك العرب، وفي مقدمتها أملاك الكويتيين، يتصدر المشهد الحالي، فمنذ أيام طالعتنا الصحف المحلية على لسان السيد سفير دولة فلسطين في الكويت بان لديه جميع الوثائق الرسمية الخاصة بأملاك الكويتيين، وان الكويت وفلسطين (صفة مراقب) اتفقتا على أمرين:
أولهما: ان يخير أصحاب الملكية إما بالتصرف في أراضيهم وأملاكهم كما يشاءون، ولا تتحمل الحكومتان أي مسؤولية في هذه الحالة.
ثانيهما: تعوض الحكومة الكويتية مواطنيها مالياً، وتقتطع هذه التعويضات من المساعدات الكويتية لدولة فلسطين، على ان يتم التنازل عن الأراضي لمصلحة خزينة الدولة الفلسطينية.
أقول: في تصريح السيد السفير ما يشي بضرورة التخلص من تلك الأملاك بالسرعة الممكنة، فإما ان يتصرف أصحابها فيها كما يشاءون، وإما ان يقبلوا بالتعويض عنها، حيث تؤول لاحقاً الى خزينة السلطة! وكم كنت أتمنى ان يقول: تبقى الحال على ما هي عليه، ويبقى الحبل السري موصولاً بين أشقائنا العرب وبين الأراضي المقدسة، وذلك مما يعزز الموقف ازاء القضية الفلسطينية.
وفي تقديري أن صاحب الملك إذا أراد ان يتصرف في ما يملك في الأراضي المحتلة فلا بد له من المرور عبر بوابة التسجيل العقاري، وبمعنى آخر عبر بوابة السلطة الوطنية، وحينئذ يتطوع رجال من السماسرة لشراء تلك الأراضي، لكن لمصلحة مَن يا تُرى؟! ألمصلحتهم الشخصية أم لمصلحة السلطة، أم لمصلحة بني إسرائيل؟! في نهاية المطاف تريد السلطة ان تستحوذ على تلك الأملاك بإحدى الطريقتين.
السؤال الكبير الذي يطرح نفسه: لماذا جاء هذا الطرح في هذه الآونة تحديداً ومع اقتراب – كما يشاع – الحلول المطروحة على طاولة المفاوضات السرية؟ فقد مضى على وجود السلطة زمن لم تبحث فيه أملاك العرب في فلسطين، كما مضى على سقوط الضفة ما يقرب من خمسة عقود، ولم تتجرأ إسرائيل على المساس بأملاك العرب من الكويتيين وغيرهم تحت ذريعة انها أملاك للغائبين! نعم، لقد صادرت إسرائيل أملاك فلسطينيين غائبين، لكنها لم تفكر يوماً في مصادرة أملاك العرب، والسؤال: لماذا؟ والجواب ببساطة: لأن أصحاب تلك العقارات هم رعايا لدول أعضاء في الأمم المتحدة، ولو فكرت إسرائيل في الاستحواذ على أراضيهم فان ذلك يعد مساساً بكرامة تلك الدول، في وقت تسعى فيه إسرائيل الى ترميم الجسور مع الدول العربية، ولا تريد مزيداً من الخصوم، فضلاً عن انها ستواجه بشكاوى ضدها في أروقة الأمم المتحدة.
وإليك عزيزي القارئ هذه الحكاية، حدثني بها من أثق بكلامه: فقد كان أحد الطلاب الفلسطينيين يدرس في أميركا عندما سقطت فلسطين عام 1948، وكان قد حصل على الجنسية الأميركية، وكان أبوه من الأثرياء، وكانت له «بيّارة» (حقول من البرتقال) تعد الأكبر من مثيلاتها، وقد ورثها عنه أبناؤه، وقد استولت عليها إسرائيل عند قيامها مع ما استولت عليه في فلسطين، فما كان من هذا الطالب إلا ان رفع قضية على إسرائيل يطالبها باسترداد أرضه، وما كان من إسرائيل إلا ان أذعنت للقضاء وعادت أرضه حتى يومنا هذا، حيث تديرها شركة لمصلحته ولمصلحة اخوانه وابنائه وأحفاده.
هذه الحكاية تؤكد ان إسرائيل إذا كانت قد تجرأت على أملاك الفلسطينيين الغائبين فلا تتجرأ على المساس بأملاك رعايا دول أعضاء في الأمم المتحدة، والتاريخ إلى جانب الحكاية السابقة خير شاهد على ذلك، فمنذ سقوط الضفة عام 1967، حتى يومنا هذا لم نسمع ان إسرائيل استولت على أرض أو عقار يملكه عرب هم رعايا لدول في المنظمة الدولية.
والجدير بالذكر ان العقار الذي اشتراه صاحبه في الخمسينات بحوالي عشرين ألف دينار أصبح يساوي من ربع مليون إلى نصف مليون دولار، وإسرائيل على استعداد لدفع مليون دولار، فهل استحواذ السلطة على تلك الأراضي بداية لتسهيل استحواذ إسرائيل على تلك الأراضي إما اغتصاباً وإما شراء من خلال سماسرة ووسطاء؟! وماذا يضير العربي مالك الأرض إذا بقيت أملاكه على حالها السابقة؟ ولماذا تسعى السلطة إلى قطع الحبل السري المقدس الذي يربط العرب بأرض فلسطين؟ أليس من قبيل الفخر والاعتزاز ان يقول العربي في كل مكان، كما يقول الفلسطيني: لي أرض أو فيلا في القدس أو نابلس أو غزة، وسوف تعود لي أو لابنائي وأحفادي يوماً ما، وليس ذلك على الله بعزيز؟!
أعرف ان هناك عدداً ليس بقليل من الكويتيين كانوا يصطافون في تلك المناطق الجميلة من فلسطين الحبيبة، وكانوا يقولون: فلسطين جنة الله سبحانه في أرضه، لا ينقصها من الجمال شيء. أيها الكويتيون جاء الوقت لتبقوا أراضيكم وبيوتكم وتعودوا إليها، وإما ان تبيعوها فلكم الخيار، لا سيما ان سفارة فلسطين قد فتحت بالأمس في الكويت لتعينكم على تسهيل وتسوية أموركم! والله المستعان.
د. محمد بن إبراهيم الشيباني
Shaibani@makhtutat.org
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق