يوم الخميس الفائت، ترافعت أمام المحكمة في واحدة من قضايا «أمن الدولة» والمتعلقة بـ «تغريدة» في «تويتر» اعتبرتها النيابة العامة تتضمن جريمة أمن دولة، وذكرت في مقدمة مرافعتي:
«.. إن الارتفاع الواضح في عدد قضايا أمن الدولة المقيدة في العام 2012 تحديدا، ومن بينها القضية الراهنة، لا يكشف عن تفشي ظاهرة ارتكاب جرائم أمن دولة حقيقية، بقدر ما يكشف اندفاع وزارة الداخلية في تقديم بلاغات في قضايا أمن دولة لأغراض سياسية بحتة مرتبطة بتصاعد وتيرة العمل السياسي الشعبي الذي أخذ الطابع الاحتجاجي، لأسباب لا مجال لشرحها في هذه المذكرة. ومن الواضح أن وزارة الداخلية تتبع سياسة تلفيق الاتهامات ضد من تشاء من المواطنين وفق معايير لا صلة لها بالقانون على الإطلاق، إنما هي معايير سياسية بحتة تعتمد منهج الانتقائية والتلفيق والتحري عن النوايا.
ومع الأسف الشديد، فإننا نرى النيابة العامة، التي أوكل إليها الدستور مهمة رفع الدعوى العمومية باسم المجتمع وليس باسم الحكومة، تساير وزارة الداخلية في بلاغاتها، عوضا عن استعمال سلطتها في حفظ تلك البلاغات التي تخلو من أركان الجريمة.
وإذا كانت المراحل الأولى في سير القضية الراهنة قد تلطخت بشوائب العمل السياسي، وما يصاحبه من خصومات وترصد وتلفيق اتهامات، فإن ساحة القضاء هي الملاذ الآمن لأصحاب الحق، ففيها يسود التجرد، ويعلو صوت القانون ويعتدل الميزان.
ويود الدفاع عن المتهم أن يشير إلى أن بيئة وسائط التواصل الاجتماعي، ومن بينها «تويتر»، تتمتع بخصائص ذات طبيعة خاصة، فالكتابة في «تويتر» تختلف عن كتابة مقال يعد للنشر في صحيفة، كما يختلف عن تحضير خطاب تتم قراءته في ندوة عامة.
لقد أثبتت الدراسات العلمية الرصينة، مثل الدراسة التي أجرتها جامعة «هارفارد» الأميركية أن «قيام الأفراد بنشر أفكارهم وأخبارهم وأنشطتهم تنشط ذلك الجزء من المخ المرتبط بمشاعر السعادة، وهي ذات المشاعر التي تتكون بسبب الأكل أو الحصول على أموال أو حتى ممارسة الجنس».
وفي جزء آخر من الدراسة، ثبت أن مشاركة الأصدقاء وأفراد العائلة لأفكارهم تفرز نشاطا أكبر في المنطقة المسؤولة عن الرضا في المخ، والعكس يتحقق حين يتم التكتم على الأفكار. وبالطبع، يمكننا أن نستخلص من ذلك أن الكتابة في «تويتر» ذات طبيعة نفسية خاصة تختلف تماما عن كتابة المقالات أو إلقاء الخطابات، فهي مشاركة مع الآخرين لما يخطر على البال، سواء كان ذلك حدثا خاصا أو شعرا أو صورة أو مجرد أفكار لا قيمة لها أو لرسائل عتب أو رسائل محبة.. وهكذا.
من جانب آخر، يجدر الانتباه إلى أن طبيعة الكتابة في «تويتر» تعتمد على عنصري التلقائية والفورية التي لا يتداخل معها قصد ارتكاب جريمة، فـ «تويتر» ساحة فسيحة جدا تتيح للمتواجد فيها التعبير عما يجول في نفسه بشكل تلقائي، ومن الطبيعي ألا يتم التدقيق المكثف على الخاطرة التي ترد على بال «المغرد» ويقرر كتابتها، ومن الطبيعي أيضا ألا يقوم المغرد بأخذ استشارة قانونية مسبقة قبل كتابة التغريدة، كما أنه من الطبيعي ألا يكون المغرد مسؤولا عن تعدد وتنوع تفسير ما يكتبه، وبالطبع، فإن المغرد غير مطالب بأن يضع شرحا جانبيا لما يقصده من التغريدة..».
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق