أسيل أمين: الثائرون على هوياتهم

كأن تعدد الهويات التي يحملها لا تكفي، فنلاحظ ان الانسان يبحث عن هوية جديدة تحقق ذاته الانسانية وتخلق كيانه الخاص.

***

تصدر الدولة لمواطنيها والمقيمين في أراضيها بطاقة «هوية» واحدة تسمى البطاقة المدنية، وتشمل هذه البطاقة البيانات الأساسية للفرد كالاسم الكامل والرقم الموحد والعنوان، وبعض الدول تكتب الديانة، فالدولة المدنية تتعامل مع الفرد بصفته مواطنا (أو مقيما) له من الحقوق وعليه من الواجبات ما يوضحها القانون. الا أن المجتمع له قراءات مختلفة لهذه البطاقة التي تقرأها الدولة قراءة واحدة.

الرقم الموحد الذي تضعه الدولة يعامل المواطنين سواسية من دون تمييز، لذا لا يتعامل المجتمع معه «ولا يحفظ الرقم الموحد»، بل يتعامل مع الاسم، و«اللقب» بالدرجة الأولى، لأنه يمكنه من «تمييز» الأفراد، فمن خلال اللقب يحدد المجتمع دين الفرد ومذهبه وانتماءه الاجتماعي والطبقي والعرقي والقبلي، وهذه كلها هويات متعددة داخل الهوية الواحدة يقرأها المجتمع وحده، وكلها تندرج تحت ما يمكن تسميته «الهويات الثابتة».

أتذكر موقفا لاحدى الصديقات عندما قررت الزواج من رجل من جنسية أجنبية فسألتها ان كانت ستتحمل النتائج الاجتماعية من الأقرباء والأصدقاء ومدى تقبلهم لهذا القرار، فأجابت: «اذا كانوا يحبونني لشخصي فسيتقبلون ويحترمون قراري، أما اذا كانوا يحبونني لمكانتي الاجتماعية وأصلي وفصلي واسم عائلتي.. فالله معاهم»!!

كانت اجابتها صريحة «ومفاجئة» وشعرت بأنها تحمل في داخلها «ثورة» حقيقية على مفهوم الهوية الاجتماعية «الثابتة» في سبيل تحقيق هويتها الفردية الخاصة التي تريد أن تشكلها وفق ارادتها، فهل يمكن لها أن تحقق هدفها بتشكيل هويتها الخاصة بمعزل عن الهويات التي يسبغها عليها المجتمع؟!.. لعله سؤال كبير، «وصعب» في الوقت نفسه، خصوصاً في مجتمع لا يقبل «المساس» بمكونات هويته.

ماذا لو طرحنا السؤال بشكله المباشر وبهذه الصيغة: هل محبة الناس لبعضهم تبنى على أساس الهوية الاجتماعية «الموروثة» للانسان أم بالانسان الذي كون هويته بنفسه؟..

أظن أن الاجابة تحتاج الى جهد غير قليل من التفكير والتأمل والتعمق في مكونات المجتمع ومدى استعداده لمناقشة هذه «القضية»، خصوصاً لجيل الشباب الذي يطرح الكثير من مثل هذه التساؤلات، باحثا عن هوية «يرتاح» اليها، سواء هوية اجتماعية أو هوية دينية.

لا تزال مثل هذه الأسئلة تطرح في معظم مجتمعات العالم ان لم تكن كلها ومحاولة الاجابة عنها، لأن مشكلة الهوية التي تتحول مع الزمن الى «أزمة الهوية»، تختلف درجة تفاعلها وتصادمها وفق نوعها وشكلها، اذ تبدأ من صعوبة التعايش حتى تصل الى النزاعات والصراعات «والحروب أحيانا».

هناك ثائرون على الهويات التقليدية، يبحثون عن هويات أكثر انسانية تحقق ذاتهم وتبني شخصياتهم التي يصنعونها بأنفسهم. فهل سيكون لهم ما يريدون من دون أن يخلق هذا التوجه هويات جديدة؟

أسيل عبدالحميد أمين
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.