من دون مقدمة… ندخل مباشرة في صلب الموضوع.
أولا، كلام إيران الذي يعتبر البحرين المحافظة الـ14 ويهدد بنقل أزمة البحرين الى المملكة العربية السعودية اذا اتحدت المملكتان يذكرنا بكلام صدام حسين الذي اعتبر الكويت المحافظة الـ19 وهدد باحتلال السعودية بعد الكويت. إنه اعتراف واضح وصريح من السلطات الايرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية وتلويح بإجراءات تعيد لـ«الأمة العظيمة» أراضيها التي تعتبر انها اخذت منها… وهو بطبيعة الحال موقف مرفوض ومدان يؤكد مخاوف بعض دول الخليج وهواجسها الأمنية.
ثانيا، يجب الإقرار بأن الهاجس الأمني الخليجي حق يراد به حق، فدول الخليج لا تريد لا الاعتداء على أحد ولا أن تكون أراضيها ممرا للاعتداء على أحد. وهي تعرف أنها تعيش على خط الزلازل وتريد الخروج من اي اهتزاز إقليمي بأقل قدر من الأضرار.
ثالثا، يجب الاتفاق على أن الهاجس الأمني لا يشكل العنصر الأساس الذي تبنى عليه الاتحادات الاقليمية او الكونفيديراليات. يمكن أن يشكل محاور عسكرية وأمنية ومعسكرات مواجهة وحلفا سياسيا كما حصل في حروب عالمية لكن من الصعب ان يؤسس لاتحاد على شاكلة الاتحاد الاوروبي مثلا. ثم ان التحديات الامنية يمكن ان تواجه من خلال بناء تحالف عسكري خليجي وعربي ودولي على غرار ما جرى بعد غزو الكويت… ويومها لم تكن هناك وحدة خليجية.
رابعا، ويجب الاعتراف بأن اتحادا يبنى على هاجس امني يمكن ان يزول بزوال الهاجس، وان الاتحاد الخليجي يجب ان يبنى على اسس كثيرة وكثيرة وكثيرة غير هذا الموضوع، اهمها – ليس تشابه النظم السياسية فحسب – بل تشابه الفكر السياسي الذي يقود هذه النظم، إضافة الى ترجمة تعابير هذا الفكر في الحياة العامة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. لا حاجة لتكرار ان الاتحاد الاوروبي بدأ باتفاقات بين الدول التي تحمل فكرا سياسيا متشابها وانظمة متقاربة ثم رفض انضمام دول اليه مثل اسبانيا والبرتغال لسنوات مجبرا اياها على تطبيق معايير محددة في ما يتعلق بالحريات العامة والديموقراطية وانفتاح الاعلام واقرار تشريعات جديدة تصون هذه المعايير.
خامسا، ان الدول التي شكلت الاتحاد الاوروبي استندت، اضافة الى التقارب في الفكر والنظم، على عنصرين أساسيين: الاحتفاظ بخصوصية كل دولة، وغياب اي شكل من أشكال الهيمنة من دول كبرى على دول صغرى، مع تأكيد ذلك في النظام الأساسي للاتحاد خوفا من جنوح تقوم به احدى الدول لاحقا ويشكل لغما يفجر التوافق.
سادسا، نحن في الكويت مع العمل الخليجي المشترك، ومع كل دعوة صادقة واقعية منطقية للتقارب إلى حدود الاتحاد. إنما على أرض الواقع وبعيدا من العاطفة هناك تباين كبير بين دول الاتحاد في الأنظمة والفكر والخصائص السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالكويت هي الأكثر قربا من الديموقراطية بشكلها المعروف رغم كل المثالب التي تفرزها بعض التطورات السياسية، والحريات العامة هي الأكثر رسوخا، وصحافتنا الأكثر انفتاحا، وانتخاباتنا الأكثر نزاهة، ومساحات التعبير والمشاركة السياسية هي الأكثر اتساعا، والحراك السياسي هو الأكثر طغيانا. لا نقول ذلك تبجحا – معاذ الله – انما من باب تحديد التمايزات، تماما كما يمكن أن نقول إن التنمية في دولة خليجية اخرى هي الأكثر نجاحا، أو أن الإدارة في دولة أخرى هي الاقل فسادا، او أن التطور الاقتصادي والعمراني في دولة ثالثة هو الأكثر سرعة.
سابعا، هناك عشرات القضايا المتعلقة بأمور تقنية إجرائية تمس قضايا مالية واقتصادية وتجارية وأمنية لم يستطع مجلس التعاون الخليجي اعلان الاتفاق عليها، ولا داعي للتذكير بأن بعض هذه القضايا بقي معلقا لأسباب مبدئية مثل الاتفاقية الامنية المتحفظة عليها الكويت، وبعضها الآخر بقي معلقا لأسباب شخصية من دون الحاجة إلى الدخول في التفاصيل.
ثامنا، عندما أعلن الاتحاد الأوروبي قدمت كل الدول بلا استثناء تنازلات كبيرة، وبعضها أرغم على القيام بإصلاحات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية وتشريعية كشرط للانضمام. في الحالة الخليجية من سيتنازل؟ وعن ماذا؟ هل المطلوب ان تقلص الكويت من نظامها الديموقراطي ام ان تتقدم الدول الأخرى خطوات أكبر على طريق هذا النظام؟ نسوق هذه الاسئلة مع الاحترام الكامل لخصوصية نظام كل دولة وبعيدا من الجزم بأن نظامنا أفضل أو أنظمتهم أفضل… نكرر القول إننا نتحدث فقط عن تمايزات.
تاسعا، دول الخليج ترفض التدخل الخارجي في شؤونها، وهو بالتأكيد تدخل مرفوض ومدان والجميع سيتصدون له بقلب واحد وإرادة واحدة، لأن التجارب علمتنا أن استفراد دولة إقليمية بدولة خليجية يعني وضع الخليج كله في مهب التهديد. ولكن: هل تنأى كل دول الخليج بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها؟ سؤال نتمنى من كل قلوبنا ان تكون إجابته بالسلب.
عاشرا: بعد هذا العرض، وككويتي أعشق وطني وأعتبر دول الخليج عمقنا الاستراتيجي وبيتنا الكبير وأدين لها بالجميل والعرفان لوقوفها التاريخي والمشرف مع الكويتيين خلال محنة الغزو، وككويتي لا يريد الا الخير لهذه الدول والتمني بالتقارب على أسس موضوعية ثابتة… أقول إن مشروع الاتحاد الخليجي المطروح بصيغته الراهنة هو اشبه برد فعل لا بفعل، وهو لن يستقيم أو يستمر إذا لم تؤخذ العناصر التي ذكرناها بعين الاعتبار.
وللتذكير، فقط للتذكير… راجعوا الاقتراح السابق بضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي وما آل إليه، كي تعرفوا الفارق بين الفعل ورد الفعل.
جاسم بودي
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق