عالية شعيب: خفوا علينا

المتأمل لما يُكتب ويُقال عامة في المواقع ووسائل الإعلام، سيلاحظ أن الكل متخصص. بقدرة قادر، الكل يتكلم في كل شيء، والكل يُنصّب نفسه علاَّمة زمانه، فتجده يتكلم في المنطق والسياسة والجغرافيا والتاريخ، بل وينظِّر ويتنبأ ويناقش، وان تفحصت كلامه، أو مستواه العلمي أو المعرفي، ستجد… صفرا. لا فكر ولا ثقافة ولا شهادة، لكنه رغم ذلك يعتبر نفسه بروفيسور زمانه.
ولذلك نجد أن النقاش عقيم مع هؤلاء، لأنه يكرر ما قرأه أو سمعه، لا يملك العمق أو الأساس، فتدور معه في دائرة مفرغة، لأنه يرفض الفهم، أو التعلم أو تصحيح معلوماته التي استقاها من الغير، ولعل جذور هذه المسألة، هي استسهال عملية الاقتباس والسرقة التي تهيئ المواقع الاجتماعية التربة الخصبة لها، فيقتبس من فلان وعلان، علماء ومفكرين وفلاسفة، ويسطرها باسمه، وهكذا تدريجيا، يصدق أنه قائل هذا الكلام. واخلاص وتشجيع متابعيه الجهلاء أيضا الذين لا يعرفون مصدر هذه المقولات، يشجعه ويدفعه للمزيد، وهذه مأساة الغالبية حاليا.
أما مخاطر هذه الآفة المعرفية والاجتماعية فهي كثيرة منها غياب مسألة التخصص، وعدم احترام المتخصصين الحقيقيين، ذوي الشهادات والثقافة والتاريخ المعرفي الذي يؤهلهم الكتابة والحديث في موضوعاتهم، بل ونجد أن بعض السفهاء والجهلاء يتعدى على هؤلاء المتخصصين، يشتمهم وينعتهم بالجهل حين مناقشتهم، فقط لأنهم يعرون فكره المقتبس والمسروق ويضعونه وجها لوجه مع حقيقته المزيفة، ولعل توجه المجتمع عامة لتجاهل الأساتذة والعلماء والمفكرين أدت لتعدي الجهلاء عليهم، وانعزال ذوي الاختصاص في أبراجهم العاجية، ساهمت في جعل الناس يتناسون قيمتهم الفكرية والمعرفية، كما شاركت بعض الجهات في توجه المجتمع لتغييب دور وقيمة العلماء، باستبعادهم عن المناصب التي تليق بهم وبتخصصهم، واستبدالهم بتلامذتهم، الأمر الذي جعل الكثير من الجهات والفعاليات ومنتديات التكريم والتنظير فاقدة للمصداقية.
إن المتعلم الواعي يعرف حدوده حين الكلام أو الكتابة، فلا يخرج عن مجال تخصصه، أما الجاهل، فهو ينطلق من فراغ فكري ثقافي، ليعبئه بكل ما تقع عليه عيناه ويداه من معلومات، فيحشو نفسه بها ليمنح نفسه ثقلا واهيا وقيمة وهمية.

twitter@aliashuaib
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.