طفلان مجتهدان عاملان في مكة، عاشا في وجداني منذ التقيتهما.. وخوفي عليهما دفعني أن أوصيهما بعدم الكذب.. إنهما ماهر ومهران.
هما أخوَان في نهاية العقد الأول من عمرهما، التقيتهما في مكة من بعد إلحاحهما علينا بحمل الأكياس التي معنا. عجبني أمرهما، وبدأنا حديثا عفويا لأعرف بعده أنهما من مواليد السعودية، ولكن بورميي الأصل، يدرسان ويعملان، وهما يعيلان أسرتهما ووالدهما المريض. لاحظت عفويتهما، ذكاءهما، اجتهادهما وحرصهما على إرضائنا طمعا في أكبر قدر ممكن من الأجرة. في نهاية تجولنا في السوق وقبل ذهابهما الى حالهما، قال لي مهران: «تبغي شيء يا خالة؟!». لا أعلم لماذا قلت له: «إيه، أوصيك لا تكذب، فالرزاق رب العباد. حافظ على صدقك وأمانتك مع الناس، والله سيكتب لك الخير دوما إن شاء الله».
ماهر ومهران طفلان اصبحا بذاكرتي، وليكونا سببا لي في التفكر والتحليل في حال البشر وقسمة الأرزاق والسعي في طلب الرزق، والحمد والشكر لله لفضله في الشدة والرخاء.
الإنسان طماع بطبعه وعجول بطلبه وجزوع بالبلاء.
نحن في الكويت لدينا تعليم مجاني، ومعاشات تُصرف من غير انتاج يُذكر، وبدلات، ومنح تزيد سنويا، ولدينا فئة من الشباب تريد ألا تعمل إلا بشروطها ومزاجها، وفئة أخرى تبحث عن عمل شريف لتوفير لقمة العيش، لكنها لا تحصل عليه لأسباب عديدة، منها حرمانها من التعليم ومن ثم الشهادات، افتقادها للجنسية، مما يدفع ببعض اصحاب العمل الخاص الى التخوف منها، وعدم تمكنها من الحصول على العمل الحكومي، لكونها من فئة «البدون». وهناك فئة ثالثة دفعها طموحها او غضبها او حسدها الى الاجتهاد في عملها، ولكن من دون اي اعتبارات للاخلاق العامة واخلاق العمل وادب التعامل، مثل الأمانة وإحقاق الحقوق، والأهم هو عدم الكذب ومخافة الله والتوكل عليه في السعي.
أعتقد أني بسبب ما رأيته من عفوية وإخلاص وتفانٍ وبراءة فيهما، خشيت عليهما من تقلب حال الدنيا وظروفها الصعبة، وكيف لهذه الظروف أن تغير البشر من الإيجاب إلى السلب، فكان أضعف الإيمان اني اوصيهما بما اوصيتهما اياه!
عالية فيصل حمود الخالد
afh_alkhaled@
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق