تحولات المجتمع وتغيراته يجب التعامل معها بعقلانية، خصوصاً إذا كانت تتعلق بالمرأة يقيناً بأنها لن تكون بالضرورة سلبية.
تطورت صورة المرأة الكويتية عبر الزمن، فبعد أن كانت صورتها حتى منتصف خمسينات القرن الماضي عبارة عن مخلوق يغطيه السواد بالكامل، جاءت «الثورة النسائية الكبرى»، المتمثلة في حرق العباءة والبوشية، لتعلن انتصار المرأة الكويتية على سواد الصورة التقليدية واستبدالها بصورة مختلفة بل مناقضة لها، فأصبحت المرأة الكويتية في الصورة الجديدة مكشوفة الرأس والوجه تلبس آخر صرعات الموضة.
استمرت هذه الصورة أكثر من عشرين سنة، أي حتى منتصف سبعينات القرن الماضي، إذ بدأت تظهر صورة أخرى للمرأة تمثلت في تغطية الرأس والرقبة ولبس الثوب الفضفاض الذي يغطي جسدها إلى ما دون الكعبين، وسميت هذه الفترة «الصحوة الإسلامية»، رغم ما يعتري هذه التسمية من تحفظات! وأخذت هذه الصورة بالانتشار شيئاً فشيئاً حتى نهاية الثمانينات، فباتت صورة المرأة الكويتية هي الحجاب «الملتزم» والثوب الطويل الفضفاض (أو كما نسميه في الكويت الدرّاعة).
أما في الفترة الممتدة من بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي وحتى الآن، بدأت صور أخرى تدخل على صورة المرأة الكويتية، بل أصبحت «متنوعة» يصعب تحديدها في شكل معين، فقد انتشرت صورة المرأة المنقبة، والمرأة كاشفة الرأس، والمرأة المحجبة، ثم اتخذ الحجاب أشكالاً «وموديلات» عدة لا علاقة لها بشكل الحجاب الملتزم الذي انتشر في السبعينات والثمانينات، مثل حجاب «بو أمطة» وحجاب «قوطي الروب» وحجاب «بو عمامة» وحجاب «التوربان»، وربما تستمر الموديلات إلى أبعد من ذلك.
المغزى من السرد السابق هو محاولة قراءة جانب من جوانب التغيرات الصغيرة، خصوصاً السلوكيات الظاهرة في حياة الأفراد، والتي من خلالها يمكن فهم ثقافة المجتمع وأنماط تفكيره وتوجهاته، خصوصاً الاجتماعية والفكرية، فهناك من يدرك أن المجتمع سائر نحو التغيير، وهناك من لا يدرك ذلك، وفئة ثالثة ترفض كل أنواع التغيير، ولكنها، ودون أن تشعر، هي سائرة فيه وإليه.
قبل أيام حضرت معارض «للدراريع» النسائية، برغم كوني لا أرتديها، ولكن مرافقة لبعض الصديقات، وشاهدت أشكالاً مختلفة عن المتعارف عليه، بل هي أشبه بالفساتين، فسألت صديقتي: هل هذه دراريع؟ فأجابت: نعم، ولكنها ليست تقليدية، فأدركت أنها تتحدث عن ثورة مقبلة، ربما تكون «دراريع ما بعد الحداثة».
أسيل عبدالحميد أمين
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق