كثيرة عِبر التاريخ، وأقربها حالة حسني مبارك وكل طاقمه خلف القضبان، والسبب كله: الفساد. لذا علينا الإصلاح الجدي.. لأن المتربصين كثر!
تزخر الكويت بنخبة من أصحاب الفكر والمتخصصين المتميزين في الاقتصاد والطب والسياسة والعلوم والهندسة وغيرها من المجالات، لدينا المهندسون الذين تستعين بهم دول أخرى في التخطيط والتصميم.. ولدينا أطباء ينقل عنهم العالم ما يقدمونه من أبحاث وتجارب حديثة لعلاج الكثير من الأمراض.. ولدينا الأدباء الذين يحصدون الجوائز العالمية والإقليمية.. كما لدينا اقتصاديون يحققون نجاحات مبهرة في إدارة مؤسسات عظمى ويساهمون بشكل فعال في نهضة اقتصادات دول أخرى.
ويومياً نقرأ لأصحاب الفكر الكثير من المقالات والتحليلات التي تقدم توصيفاً دقيقاً لما نعانيه من مشكلات، وتكشف أسباب حالة التردي والجمود التي ضربت بلدنا منذ سنوات، كما يقدم المتخصصون العديد من المقترحات المدروسة التي تكفل لنا النهوض من عثراتنا المتتالية وانتشال البلد من بئر الفساد التي أسقطتنا فيها الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة.
ومع هذا فإن حكومتنا لا تكاد تقرأ وتسمع، بل انها تترك الفساد يتغلغل ويتوحش حتى صار كالحية التي تفتك بكل من يقف في طريقها، كما أنها لا تتعلم من التاريخ ولا تستفيد من التجارب، وكأنها أصيبت بالعجز أو الشلل التام.
لقد صنع الفساد الذي استشرى في مؤسساتنا أحجاراً من النار تقبع فوق قلوب كل الشرفاء من أبناء الكويت، وتنذر بانفجار هائل قد يدوي بين لحظة وأخرى، لذا فإننا ننبه الغافلين أو المتغافلين إلى أخذ العبر من التاريخ، فكل الكوارث والثورات والانقلابات التي وقعت منذ فجر التاريخ كان الفساد سبباً رئيسياً فيها، وكان الطغيان والظلم والنفاق والخداع وقوداً لاشتعال لهيبها، وأمامنا قصص القرآن الكريم فيها الكثير من العبر لمن يريد أن يعتبر، وفي العصر الحديث هناك أمثلة حية وكثيرة.. فقد هلكت أمم وزالت ممالك وسقطت إمبراطوريات نتيجة استشراء الفساد، وغفلة الحكام، وانتشار الخيانة.
ومع انطلاق الربيع العربي، رأينا كيف ذاق حسني مبارك الهوان وتجرع المذلة على يد شعبه بسبب انتشار الفساد في عهده، وشاء العلي القدير أن يمد في عمره ويكون أول رئيس مصري يتجاوز الـ 83 عاماً ليجد نفسه بمعية أولاده خلف القضبان.
وفي ليبيا، كان المصير أسوأ بكثير، فقد استشرى فساد القذافي بألقابه التي لا تحصى، بينما ترك شعبه المناضل بلا تنمية أو تعليم حتى جاء اليوم الذي رأى فيه أسرته تتشتت، قبل ان يعصف به الثوار بطريقة انتقامية مهينة.
أما في سوريا، فقد ظل الدّين على الأسد الأب ليتجرعه ابنه بشار بثورة على يد شعبه، وها هو شلال الدم مستمر هناك، والكل يتوقع النهاية السوداء لهذا الطاغية الجديد بين لحظة وأخرى.
وهكذا هو التاريخ عودنا على انه يصفي حساباته، فقد عاد الأصوليون وتيارات الإسلام السياسي ليتصدروا الصورة، ويسيطروا على مقاليد الحكم في مصر وتونس وليبيا وهم يتأهبون لذلك في سوريا، بعد ان أفل نجمهم منذ الثمانينات، ومع ذلك لم تنته الفوضى ولم يتوقف حمام الدم، ولم تتضح أي بوادر للنهضة والاستقرار والعدالة التي ثارت من أجلها تلك الشعوب، وهنا لا بد ان نأخذ العبرة فننطلق الى صنع التغيير الإيجابي، عبر الحوار البناء والفكر المستنير والاعتماد على أصحاب الرؤية السديدة وإيلاء قيادة الأمور الى المؤهلين والجديرين بها، وكفانا مجاملات وترضيات وتصفية حسابات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن في مأمن على وطننا من غدر التقلبات؟ أقولها بمرارة: لا وألف لا، فالوضع على صفيح ساخن، والخطر المحدق يلوح في الأفق، يرى مقدماته كل ذي عقل وبصيرة، ونحن محظوظون بأن اعطانا الله نماذج وتنبيهات قريبة منا كي نعود الى جادة الصواب ونسد كل الثغرات بوجه الفاسدين، ونحقق العدالة ونغير الواقع المؤلم إلى مستقبل مشرق تنعم فيه أجيالنا بالرخاء والازدهار والتقدم.
ورغم أنني أكاد أرى الكارثة على الأبواب، إلا أن هناك ما يترك شعاعاً من التفاؤل، ينبعث من حقيقة لا يختلف عليها اثنان، وهي اننا نحب آل الصباح، ونرى أنهم الضمانة الأولى لدرء الفتن ومنع الصراعات في مجتمعنا، لكننا نتطلع الى ان نرى معهم تغييراً سريعاً وحقيقياً يرضي التطلعات ويحقق الأمنيات.
وفي النهاية لا بد من الحذر، فقد تغير العالم، وما كنا نقبله سابقاً لا يقبله شبابنا حالياً، وسياسة إلهاء الشعب بقضايا هامشية لن تجدي نفعاً في الطمطمة على تلال الفساد.
آباؤنا وأجدادنا لم يكن لديهم من الإمكانات المادية ما هو لدينا الآن، لكنهم تحابوا وتكاتفوا وتعاونوا على النهوض ببلدهم، والتفوا وراء حكامهم، لأنهم تلمسوا العدالة والمساواة والشفافية.
أما الآن فلا وجود إلا للخطط المليارية الوهمية، والمشاريع الورقية، لتنفيع بعض الفئات على حساب حاضرنا ومستقبل أبنائنا.. فهل ننتظر مع هذا الوضع أن يقبل الشعب بالعيش على الهبات والقبول بالفتات؟!
اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد..
نبيلة مبارك العنجري
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق