روي أن رجلاً في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ابتلي بشرب الخمر، فأتوا به إلى النبي شارباً فأمر بجلده. ثم جيء به شارباً فجلد. فقال أحد الصحابة لعنة الله عليه، ما أكثر ما يؤتى به. فالتفت النبي إليه قائلاً وقد تغير وجهه لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله. ويقول في موضع آخر لا تلعنوا صاحبكم بل اطلبوا له الهداية. وفي حديث آخر ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. فإذا كان الإسلام لعن شارب الخمر بصفة عامة ومرتكب المعاصي، ولكنه حرّم توجيه اللعن إلى شخص محدد، بل حرّم لعن الحيوان والجماد. فإذا غضب المسلم من شخص ما وأراد أن ينتقم منه، فعليه أن يبتعد عن الكلام السيئ البذيء. هذه مبادئ الإسلام وإرشاداته، وهي تختلف عن السلوك الذي يتبعه أنصار التيارات الدينية السياسية الذين يريدون أن يتخذوا من الدين وسيلة للسيطرة على الدولة والبشر. فسلوكهم أقرب إلى مبادئ المكيافيلية التي تعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة. لذلك يتخوف الكثير من سيطرتهم على الدولة، لأنهم سيفكرون في الانتقام أكثر من بناء الدولة واستقرارها كما حدث في أفغانستان والخرطوم وإيران.
في ضوء هذا التصور، سنحكم على الجلسة التي أصدر النواب فيها حكمهم على زميلهم النائب محمد جويهل بحرمانه من دخول المجلس لمدة أسبوعين، عقوبة له على اعتدائه على النائب د. حمد المطر. قليل من يعرف أصل المشكلة التي حدثت بين النائبين وحقيقتها والأسباب التي أدت إلى تفاعلها ثم أدت إلى ما آلت إليه. ولكن كثيراً منا شاهد الجلسة التي أصدروا فيها الحكم على الجويهل واستمع إلى الكلام البذيء السيئ الذي يحرّمه الدين ويتنافى مع مكارم الأخلاق. ونستنكر أن يصدر حتى من أطفال الشوارع. طعنوا بشرف النائب وأسرته وشرف نساء عفيفات بغير أدلة ولا براهين، محتمين بالحصانة البرلمانية التي وضعت لتحمي النائب ليقول الحق، لا أن يعتدي على كرامة الناس ويستبيح أعراضهم وشرفهم ويعتدي على قوانين الدولة. إن مثل هؤلاء لا ينبغي أن تكون لهم حصانة، بل يجب أن يؤدبوا ويعاد تأهيلهم، ليصلوا إلى مستوى يليق برسالة المجلس ومكانته.
وعلى هذا الأساس، نرى أن الحكم الصادر بعد تلك الجلسة المبتذلة حكم باطل، لصدوره من مجموعة كانت في حالة غضب. فالقاضي لا يجوز أن يحكم وهو في حالة غضب أو كاره لأحد الخصوم، لأن الغضب والكراهية سيعميان بصيرته عن الوصول إلى الحكم العادل. كما أننا نعرف أن لغة الحوار داخل المجلس أصبحت هابطة ومتدنية منذ فترة. ونبه صاحب السمو إلى ذلك في خطابات متعددة. وقبل أسبوعين حضر الكاتب سمير عطا الله جلسة لمجلس الأمة، وسمع شتم الأب والأم والأخت يصدر من نواب تحت قبة البرلمان. وتساءل في مقاله، كيف أصبح الشتم القبيح وتدمير الاقتصاد مظهراً من مظاهر المعارضة أو ممارسة ديموقراطية؟ وقال إن الكويتيين يستذكرون المجالس القديمة وحواراتها الراقية. فالمشادة بين الأعضاء ليست جديدة، بل تحدث بصورة متكررة. فلماذا التركيز على خطأ جويهل والتفكير بإسقاط عضويته وكأنه الوحيد الذي ارتكب خطأ في المجلس؟ بل وصل الانحدار الفكري إلى أن عباس الشعبي الأب الروحي للأغلبية، يقال إنه قال إنه لم يضرب الجويهل بل الـ 8000 مواطن الذين انتخبوه.
وأخيراً، لماذا تحقير الجويهل والسعي إلى تشويه سمعته من الأغلبية، بحجة أنه يتعاطى الخمر؟ صحيح أن الخمر محرمة وأنا أكرهها، وأتمنى له الهداية. ومع ذلك نقول إن شرب الخمر قد لا يمنع أحياناً الإنسان المحب لعمله، والملم به، والمخلص، أن يؤديه باتقان. فقد عرف عن تشرشل الزعيم البريطاني عشقه للخمر ولا يخفي ذلك عن شعبه، ولم يمنعه ذلك من إدارة الحرب الثانية بكفاءة عالية. وهناك كثير من رجال الفكر والأدباء والفنانين والصحافيين يشربون الخمر ويؤدون عملهم باتقان.
د. عبدالمحسن حمادة
D_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق